كرة الثلج يا حكومة

آراء 2023/05/07
...

  أ.د. عماد مكلف البدران

 قال الله تعالى في سورة الحجرات الآية ( 13)، ياأيُّها الناسُ إنا خلقناكمْ من ذكر وأنثى وجعلناكمْ شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرَمكمْ عند الله أتقاكمْ إن الله عليمٌ خبيرٌ، في سياق هذه الآية الكريمة وهو الأمر الواضح للجميع ولا يحتاج قراءات موسعة ومستفيضة، إن أكرمنا عند الله عز وجل هو من يحسن التعارف والسلام مع أبناء جنسه بغض النظر عن عرقهم ولونهم وهذه الآية مثل مثيلاتها التي زخر بها القرآن، انما جاءت لنشر روح التسامح والتعايش السلمي ونبذ النزاعات والتطاحن بين أبناء الامة الواحدة

 التي تعيش فيها التجمعات العشائرية، حيث كل عشيرة تنتسب لجد واحد ورابطة واحدة هي رابطة الدم والأصل، فضلاً عن رابطة قد تكون ذميمة هي العصبية 

العمياء، وهذا ما نخشاه وتخشاه اغلب الحكومات التي تحكم مجتمعات ذات طابع قبلي متخلف وجاهل يشد من ينتمي له إلى الخلف بشكل رجعي ولا يدعم التقدم ما يزحزح الأمن ويدهوره مع سيادة لغة العنف وأسلوبه، لا سيما مع 

وجود سلاح منتشر ومنفلت في دول مثل العراق مرت بظروف كارثية من حروب واقتتال طائفي، فاليوم نشهد صفحة قد تربك عمل الحكومات وتُسقطها وربما تنهي الدولة اذا ما استمرت، فجهل بعض مؤيدي القبلية وتعصبهم قد يودي بالدولة ويضعفها وربما يهلكها ويُنهيها ويلغي وجودها، فتفكيرهم أن يحلوا محلها واعرافهم هي التي تسود، ولذا يا حكومتنا الموقرة

 لا بد من الالتفات إلى هذه المسألة، التي بدت متفاقمة ومتطورة بانحدار وليس بأن تختار لها نهجاً يعتمد الاعراف والقيم والتقاليد السليمة، فلم يعد صوت العقل والتعقل هو السائد في كثير من المناطق القبلية، لا بل صبغوا المدينة بصبغة التقاليد المتطرفة، وهمشوا القانون والتفوا عليه امام انظار الحكومات، والنتيجة نزاعات تلو الاخرى وحروب وتقاتل وتطاحن قد فاق بعضه الارهاب وكأنما 

نعيش صفحة إرهاب أخرى، وسأ شير إلى معنى الاهمال أو ربما يكون الأمر مقصوداً أو ربما الخوف من الخطوة القادمة والقرار الحازم القوي، الذي يضبط ايقاع العشائرية ويحد من اتساع ظاهرتها المتخلفة، ويضع لها قوانين وضوابط، إذ إن المصالح وتداخلاتها هي من تلعب دوراً مهما في هذا المجال، مثل الارتباطات الحزبية والفئوية 

وقضايا اخرى تتعلق بالوسط الانتخابي ودعم الاعمام للناخب، فمن مصاديق الإهمال واللامبالاة، انه في يوم من الأيام التقيت أحد المستشارين التابعين لرئاسة الوزراء، وحينما تكلمت معه عن نزاعات العشائر قال لي (هل سلاحهم موجه إلى الحكومة؟) اجبته وارواح الناس، التي تُزهق بين حين وآخرإ الا تهم الحكومة، التي من اساسياتها الحفاظ على الأرواح والأموال، أم أن الامر أصبح

 لا يعنيهم!، وآنذاك لم احصل منه الا على الصمت، فمن دون أن يكون هناك حصر وتحجيم لسلاح العشائر، الذي 

يهدد الأمن والاستقرار في المستقبل، ومن دون اتخاذ خطوات عملية لمكافحة بؤر الاضطراب والتوتر والقتل، التي بدورها تغذي الجريمة وتصنعها، قد تنمو العصابات المنظمة التي تقوم بعمليات السلب والنهب والخطف، وتؤسس العصابات التي تعمل بتجارة المخدرات 

والآثار والمشتقات النفطية، فبعض منها توفر له العشيرة العمق السوقي والملاذ الآمن، إذ تمارس هذه التجمعات أنشطتها وسطوتها ونفوذها الذي امتد لمؤسسات 

الدولة رشوةً وعلاقات قرابة وولاءً منظماً للعشيرة وزعيمها، فقد تجد أوكاراً للجريمة المنظمة، مثل احتجاز المخطوفين للمساومة عليهم، وحينما نقول نشاطهم هذا أشبه بالجريمة المنظمة؛ لأن هذه الجريمة تدعمها 

أعراف قبلية توفر لها الدعم وتحيطها بطوقٍ واقٍ، هو تهديد الأخر بالقوة ( الگوامة وما شابه)، التي ومع الأسف أصبحت عرفاً معمولاً به إلى درجة منح وجود 

هذه الكيانات الاجتماعية قوة ومنعة أمام قوانين 

الدولة.

أنها كرة الثلج التي تتدحرج لتنمو وتتضخم يا حكومة.