العراق يطلق «طريق التنمية» الدولي
بغداد: محمد الأنصاري
أطلق رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، رسمياً أمس السبت، "طريق التنمية" الستراتيجي الدولي، وأكد أن المشروع يعد شرياناً اقتصادياً، وفرصة واعدة لالتقاءِ المصالح والتاريخ والثقافات، بينما اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر "طريق التنمية" الذي عقد ببغداد أمس السبت، على تشكيل لجان فنية لوضع التصور الكامل عن طبيعة وحجم مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في هذا المشروع الحيوي الستراتيجي.
وقال رئيس الوزراء، خلال كلمته في افتتاح مؤتمر "طريق التنمية" بمشاركة 10 دول: إن "طريق التنمية بما يحمله من منصّات للعمل، وقيمة مضافة للنواتج القومية والمحلية، ورافعات اقتصادية، هو خطةٌ طموح ومدروسة لتغيير الواقع نحو بنية اقتصادية متينة".
وأضاف: "لقد كثر الحديث عن التنويع الاقتصادي، ومواجهة آثار التغيّر المناخي، اليوم نحن وإياكم نقف على أعتاب مفتاح المواجهة، وكلُّ الجهود التي تعالج هذه المؤثرات، ستمرّ عبر طريق التنمية"، لافتاً إلى أن "هذا المشروع ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي، وعقدة ارتباطٍ تخدم جيران العراق والمنطقة".
وتابع السوداني: أن "ميناء الفاو الكبير، قطع شوطاً كبيراً نحو الإتمام، وسيكون بوابة لهذا الحراك الاقتصادي المهم وسوف تتكامل مع الميناء المدن الحضرية، التي سنؤسس بجوارها مدينة صناعية ذكية هي الأحدث في المنطقة والعالم، وستحاكي التطور التكنولوجيَّ الحاليَّ والمتوقع للسنوات الخمسين المقبلة"، مبيناً أنه "سيتمُّ توطين صناعات متعددة في تلك المدن باستثمار الموارد الأولية المحلية أو المستوردة، من أجل سدِّ الحاجة المحلية والإقليمية من منتجاتها".
وأوضح أنه "بهذا المشروع الواعد، سينطلقُ العراق نحو شراكة اقتصادية معكم، تجعل بلداننا مصدّرة للصناعات الحديثة والبضائع، وسنعتمد في كلِّ هذا على الممرّات متعددة الوسائط، وأكثر من (1200) كم من السكك الحديدية، وتشغيلها البيني المشترك، والطرق السريعة".
وأكد رئيس الوزراء أنه "ستيسّر سكك الحديد والطرق السريعة عملية نقل البضائع، والوظائف التي ستخلقها هذه المشاريع ستكون بصمةً إيجابيةً تنقل شعوب المنطقة إلى مرحلة من التكامل والاستقرار ومواجهة للتحدّيات"، وذكر أن "مؤتمر طريق التنمية وما سيخرج به من خطوات، هو في مسار تحرّكنا على صعيد الإصلاح والنهوض الاقتصادي، ولقد أسّسنا لهذا المؤتمر عبر تفاهماتٍ بناءة مع قادة وزعماء البلدان الشقيقة والصديقة لنا". ولفت رئيس الوزراء، إلى أنه "تقع على عاتقكم اليوم مسؤولية إنضاج تلك التفاهمات، وبوصفكم مسؤولين وفنيين ومتخصّصين في القطاعات المعنية، ستتولّون وضع خارطة طريق عملية للانتقال إلى حيز التنفيذ والمباشرة بتحقيق الأهداف المرجوّة"، وشدد على أننا "ماضون في كلِّ ما يخدم شعبنا، ويزيدُ من بوابات التواصل مع الجوار الجغرافي والامتداد الثقافي، وكلِّ ما من شأنهِ أن يجذب الاستثماراتِ العالمية".
مؤتمر بغداد
وبرعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، احتضنت العاصمة بغداد، أمس السبت، مؤتمر طريق التنمية، بمشاركة وزراء النقل أو من يمثلهم من دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجوار إيران وتركيا وسوريا والأردن، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، أن الوفود المشاركة ناقشت عملية الشروع في الخطوات التنفيذية، وتحويل التفاهمات بين قادة وزعماء الدول إلى خارطة طريق تشهد البدء بالمشاريع التنموية المتعلقة بطريق التنمية.
كما جرى البحث في أهمية المشروع لدول المنطقة، والشراكات الإقليمية وسبل توطيدها، والوصول إلى التكامل الاقتصادي بين الدول المشاركة، وتأسيس منصّات تنموية اقتصادية تعزز من قدرة شعوب المنطقة على مواجهة التحديات الاقتصادية. وشهد المؤتمر استعراضاً شاملاً لطرق الوسائط المتعددة التي يتضمنها المشروع، والإمكانيات التي يقدمها في الترابط الإقليمي، بالإضافة إلى البنى التحتية التي تنوّع قطاعات النقل والصناعة والزراعة والطاقة المتجددة، وما سيُتاح من استثمارات في المطارات والقطارات السريعة والطرق البرية.وكذلك جرى استعراض المسار الذي يبتدئ من ميناء الفاو وتكامله مع موانئ المنطقة وصولاً إلى الحدود التركية، ودراسات الجدوى ونتائج العمل مع الجهات الاستشارية، والجدول الزمني للتنفيذ، والعوائد المالية التي يوفّرها، والبيانات المتعلّقة بكلّ تفاصيله. وانتهى المؤتمر إلى "تشكيل لجان فنية لوضع التصوّر الكامل عن طبيعة وحجم مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في هذا المشروع الحيوي الستراتيجي".
حديث حكومي
من جانبه، قال وزير النقل، رزاق محيبس، في كلمته خلال المؤتمر: إن "طريق التنمية مشروع يصب لصالح دول المنطقة، إذ نتشاور مع دول الجوار والمنطقة بشأن مشروعي (طريق التنمية) و(ميناء الفاو الكبير)"، مؤكداً: "أنهينا الجدوى الاقتصادية لمشروع طريق التنمية، بدعم من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف: "دَخَلنا في مرحلة التصاميم وعازمون على إنجازِ طريق التنمية برغمِ كلِّ التحديات"، مبيناً أن "طريق التنمية سيُشكّل انتقالةً نوعيةً في الواقع الاقتصادي والتجاري".
وأشار إلى أن "منطقتنا بحاجة إلى تكتلٍ اقتصادي، ومشروع طريق التنمية سيعملُ على إيجاد نقطةِ التقاءٍ مشتركة تعزز أمنَ المنطقة وحفظَ مصالحها"، وأوضح أن "طريق التنمية ممر عالمي لنقل البضائع والطاقة بما يُحقّق مكاسبَ تنموية كبيرة للعراق ودول المنطقة، وكذلك سيُحوّل المناطق الواقعة على جانبيهِ إلى مصانعَ ومعاملَ ومخازنَ ومشاريعَ استثمارية، إضافة إلى تعزيز فرصَ العمل والتنمية والاستثمار والتجارة لدى القطاعين الخاص والمشترك".
وأردف بالقول: " في الوقت الذي نجتمع فيه هنا، هناك أعمال تتواصل بصورة حثيثة في مشروع ميناء الفاو الكبير"، وأضاف أن "الحكومة تعتزم تشغيل المرحلة الأولى من مشروع الفاو في نهاية العام 2025"، مؤكداً أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يولي ميناء الفاو اهتماماً كبيراً". وأشار إلى أن "نسب الإنجاز المتحققة في ميناء الفاو بلغت أكثر من 50 % في مرحلته الأولى"، مشدداً بالقول: "نسعى لحلحلة جميع المشاكل والمعوقات التي تعيق سير العمل في ميناء الفاو"، واختتم، قائلاً: "آمالُنا كبيرة في تضافر الجهود للنهوض بقطاع النقل في منطقتِنا الإقليمية". إلى ذلك، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء، باسم العوادي: إن "10 دول شاركت في مؤتمر طريق التنمية، 6 منها جيران العراق، وبحضور جميع دول الخليج، باستثناء الأشقاء في البحرين إذ قدموا اعتذاراً في اللحظات الأخيرة لأسباب فنية". وأضاف أن "المؤتمر جاء لعرض فكرة المشروع وتعريف الدول به ووضع المخططات، ثم بعد ذلك يترك الخيار لكل الدول أن تناقش الموضوع"، لافتاً إلى أن "رئيس الوزراء تحدث بخصوص المشروع مع قيادات الدول الشقيقة المجاورة، وكذلك مع أشقائنا في دول الخليج، وبالتالي هناك صورة واضحة لدى قيادات الدول ومن أنابوهم من الوزراء والمختصين في بلدانهم الذين حضروا المؤتمر".
وتابع: "بعد هذا المؤتمر ستكون هناك لجان تخصصية عراقية، وأيضاً من الدول التي ترغب في المساهمة"، مبيناً أن "طريق التنمية مشروع ستراتيجي، إذ إنه ليس طريقاً محلياً يربط بين مدينة وأخرى، بل هو طريق عراقي يربط المنطقة وينقل بضائع جميع دولها، والهدف الأساسي منه هو ربط أوروبا بدول الخليج".
وأشار إلى أن "الخط الستراتيجي الأساسي سيكون طريق السكة الحديد بمعدل 1175 كم، بالإضافة إلى الطريق البري بمعدل 1190 كم، ولهما مساران مختلفان في الجنوب، لكنهما يلتقيان في شمال محافظة كربلاء المقدسة ويسيران جنباً إلى جنب لحين وصولهما إلى فيشخابور". ونوه بأن "مهمة هذا الطريق هي نقل البضائع بمختلف أنواعها من أوروبا إلى تركيا عبر العراق وإلى الخليج، وكذلك السلع الخليجية والموارد الخليجية تنقل من الخليج عبر العراق إلى تركيا وأوروبا"، مؤكداً أن "الحكومة العراقية لا تريد لهذا الطريق أن يكون مجرد (ترانزيت) بل ترغب بأن يتحول هذا الخط البري والسكة الحديد إلى طريق وشريان حيوي للاقتصاد، وهناك مخططات لمدن صناعية ومدن إسكان تحيط بالطريق، وسيشهد عبور آلاف الشاحنات المقبلة من 25 دولة".
ولفت إلى أن "هناك قناعة لدى رئيس الوزراء بأن تكون جميع البنى التحتية المتعلقة بالعراق سيادية"، مشيراً إلى أن "العراق سيحافظ على كل المساحات التي تعتبر سيادية لكي يبقى هذا الطريق عراقياً". وبخصوص مدة إنجاز المشروع، قال العوادي: إن "مدة الإنجاز ستبدأ من السنة المقبلة 2024، وتنتهي العام 2028، بمدة إنجاز قياسية خلال أربع سنوات". من جهته، قال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، هشام الركابي: إنه "مع انطلاق فعاليات المؤتمر في بغداد، سيحول طريق التنمية العراق إلى بيئة جاذبة للاستثمار ونقطة التقاء للمصالح بين دول المنطقة". إلى ذلك، قال مستشار رئيس الوزراء، ضياء الناصري، في حديث صحفي: إن "العراق يطمح لبناء شراكة إقليمية لإنجاح هذا المشروع الستراتيجي للمنطقة والعالم، ولن يكون العراق مجرد بلد ناقل للسلع أو (ترانزيت) للبضائع، بل سوف تشهد 10 محافظات عراقية المزيد من المشاريع الساندة والصناعية والتنمية المستدامة التي ستوفر عشرات آلاف فرص العمل والعديد من المشاريع والمصانع".
كلمات الوفود
وفي كلمته خلال المؤتمر، قال ممثل البنك الدولي: إن "العراق يحتاج للاستثمار بأكثر من 21 مليار دولار في قطاع النقل خلال السنوات الخمس المقبلة"، لافتاً إلى أن "طريق التنمية سيزيد من الترابط بين العراق ودول المنطقة".
وأضاف، أن "مشروع طريق التنمية سيقلل من انبعاثات التلوث بشكل كبير"، مؤكداً أن "البنك الدولي ملتزم بدعم العراق في تحديث البنى التحتية وخلق فرص العمل".
بدوره، قال وزير النقل السعودي صالح الجاسر: إن "المملكة حريصة على تعزيز العلاقات المشتركة مع العراق"، لافتاً إلى أن "اليومين الماضيين شهدا انعقاد المجلس التنسيقي العراقي – السعودي بمشاركة عدد من الوزراء"، وأضاف، أن "منفذ جميمة – عرعر، شهد تصاعداً في حركة نقل البضائع والمسافرين"، مبيناً أن "التجارة بين البلدين وصلت إلى أكثر من مليار دولار خلال العام الماضي". أما ممثل الوفد السوري في المؤتمر، المهندس زهير خزيم، فقال خلال كلمته: إن "سوريا داعمة لهذا المشروع ومشاركة في المؤتمر للاستماع إلى المقترحات والرؤى حول مشروع طريق التنمية لما له من أهمية وحيوية".
وأضاف أن "سوريا حريصة على تكامل الربط السككي الثلاثي بين سوريا والعراق وإيران، والخطوات الجدية التي تعمل عليها سوريا في إعادة تأهيل السكك فيها، وهذا التكامل هو واحد من التحديات الكبرى ضمن العديد من التوازنات الاقتصادية الكبرى".
من جانبه، قال وكيل وزارة النقل في إيران، أفندي زاده: إن "دور السكك الحديد مهم جداً، وهذا المشروع الجديد في العراق سيكون له دور ممتاز في نقل البضائع"، وأضاف أن "المشروع الكبير بين العراق وإيران هو ربط سكك الحديد من الشلامجة إلى البصرة"، مؤكداً أن "العمل بالمرحلة التفصيلية لهذا المشروع سيبدأ خلال الأيام المقبلة".
وكيل وزارة النقل لدولة قطر، حمد عيسى، قال في كلمته: إن "مشاركة قطر في هذا المؤتمر جاءت لمعرفة طبيعة هذا المشروع وإمكانية تنفيذه في المرحلة المقبلة وما هي الأهداف منه"، مبيناً أن "هذا المشروع له صدى إيجابي واقتصادي وبيئي مستدام في المنطقة"، وأشار إلى أنه "في المرحلة المقبلة سيدرس مجلس التعاون الخليجي آلية الاستفادة من هذا المشروع".
من جانبه، قال ممثل الوفد التركي، علي رضا غوناي: "نحن شريك رئيس في طريق التنمية الذي يعد مكسباً للجميع"، مؤكداً أن "المسؤولية تكمن في إزالة الحواجز للتجارة بين العراق وتركيا"، وأشار إلى أن "طريق التنمية من شأنه أن يزيد الترابط بين دول المنطقة".
المشروع في أرقام
وبحسب الأرقام الواردة من الجهات الرسمية، فإن مشروع طريق التنمية سيكون من خطين مزدوجين، خط سككي وخط بري دولي سريع، وستكون على الخطين حركة اقتصادية تنعش اقتصاد المحافظات التي يمر بها وهي تقريبا أكثر من 10 محافظات إضافة إلى المدن الصناعية والسكنية والمناطق الترفيهية، وسيوفر المشروع أكثر من 100 ألف فرصة عمل للشباب العراقيين ويتزايد هذا العدد خلال إنجاز هذا الطريق بالكامل.ويعد مشروع طريق التنمية مفتاح الربط التجاري بين آسيا وأوروبا، وتبلغ كلفته 17 مليار دولار، ومن المتوقع أن تبلغ إيرادات هذا المشروع 4.850 مليارات دولار سنوياً، ويبلغ طول المشروع 1200 كم ويمتد من الفاو إلى الحدود العراقية التركية في منطقة فيشخابور، ومن ثم إلى أوروبا عبر تركيا.وتوضح الأرقام الرسمية، أن الطاقة المتوقعة للنقل في المرحلة الأولى 3.5 ملايين حاوية سنوياً، و22 مليون طن بضائع، فضلاً عن خدمة قرابة 15 مليون مسافر سنوياً، وسيتم إنجاز المرحلة الأولى عام 2028، بينما ستنجز المرحلة الثانية عام 2038 والثالثة عام 2050، بالتزامن مع وصول ميناء الفاو إلى كامل طاقته الإنتاجية والاستيعابية بعد اكتمال تلك المراحل وستكون المشاريع المرتبطة به مكتملة.