أحدث توصلات العلم: استـخـراج الطـاقــة مـن الـهـواء

علوم وتكنلوجيا 2023/05/31
...

 دان روزنزويغ زيف

 ترجمة: أنيس الصفار   

{من الممكن استخدام اية مادة تقريباً لتحويل الطاقة المختزنة في رطوبة الهواء إلى كهرباء} هذا هو ما توصل اليه العلماء في كشف قد تكون ثمرته الحصول على طاقة نظيفة مستمرة بأقل قدر من التلوث.

جاء هذا البحث في ورقة نشرتها مجلة "أدفانسد متيريالز" العلمية، وهو يستند إلى عمل بحثي سابق في العام 2020 اثبت لأول مرة أن الطاقة يمكن استخلاصها من رطوبة الهواء باستخدام مواد يحصل عليها من البكتيريا. تظهر الدراسة الجديدة أن بالإمكان استخدام اية مادة تقريباً لهذه الغاية، مثل الخشب أو السليكون، طالما كان بالامكان سحقها وتحويلها إلى دقائق ناعمة ثم اعادة تشكيلها بحيث تتكون لها مسامات مجهرية. لكن تبقى هناك اسئلة عديدة تتعلق بالكيفية التي سيمكن بها التوسع في صناعة هذا المنتج.

يقول البروفسور "يون ياو"، استاذ الهندسة بجامعة ماساشوستس والباحث الأول في الدراسة: "ما اخترعناه يمكن تصويره بما يشبه سحابة على نطاق صغير من صنع الإنسان. هذه السحابة يمكن الحصول عليها بمنتهى السهولة وهي مصدر هائل لكهرباء نظيفة ومستمرة. تخيل أن تكون الكهرباء النظيفة متاحة بين يديك اينما ذهبت."

"اينما ذهبت"، عبارة تشمل الغابة والسير في الجبال أو في الصحراء أو في قرية ريفية أو على الطريق.

يوفر هذا "المولد" الذي يستمد طاقته من الهواء، والذي بات يعرف باسم "أير- جن" (وهي مختصر لعبارة "أير جنريتر" أي المولد الهوائي)، كهرباء نظيفة ومستمرة نظراً لكونه يستخدم الطاقة المستخرجة من الرطوبة، والرطوبة موجودة دائماً وفي كل مكان، بدلاً من الشمس او الرياح. فعلى خلاف الالواح الشمسية او توربينات الرياح، التي تتطلب اجواء معينة لكي تحقق النجاح المطلوب، يمكن للمولد الهوائي ان يعمل في أي مكان، كما يقول البروفسور ياو.

يمضي البروفسور مبيناً أن الرطوبة حين تقل فإن امكانية استخلاص الطاقة ستقل تبعاً لذلك، وهذا يعني أن المواسم التي يجف فيها الهواء تنتج طاقة أقل من المواسم الرطبة.

الجهاز الذي يدور الحديث عنه هنا، والذي لا يتعدى حجمه حجم الظفر وسمكه أرق من شعرة الانسان، تنتشر عليه ثقوب صغيرة للغاية تعرف بـ "المسامات النانوية"، وهي فتحات يقل قطر الواحدة منها عن 100 نانومتر، أي أقل من جزء بالألف من قطر الشعرة البشرية.

تسمح هذه الثقوب الصغيرة للماء الموجود في الهواء بالعبور من خلالها على نحو يؤدي إلى اختلال توازن الشحنات ما بين الاجزاء العلوية والاجزاء السفلية من الجهاز، وبذا يخلق من الناحية الفعلية بطارية تبقى تعمل بشكل مستمر.

يقول "شياومنغ ليو"، وهو مشارك آخر في البحث: "نحن نفتح باباً واسعاً لاستخلاص الكهرباء النظيفة من الهواء."

قد لا يتمكن النموذج الأولي الواحد من هذه الاجهزة إلا من انتاج كمية صغيرة من الطاقة لا تكاد تكفي لتغذية نقطة ضوء واحدة في شاشة كبيرة نظراً لدقة حجمه، لكن ياو يقول أن المولدات الهوائية يمكن تجميعها ورصها إلى بعضها، مع ابقاء فراغات هوائية بينها. اما تخزين الكهرباء الناتجة فإنه شأن آخر مختلف، كما يضيف ياو.

يقدر ياو أن بإمكان نحو مليار مولد هوائي، عند رصها إلى بعضها في حيز يقارب حجم ثلاجة، ان ينتج ما مقداره كيلواط من الكهرباء تحت ظروف مثالية لتمد المنزل جزئياً بالطاقة. يأمل فريق البحث ان ينجح في خفض العدد المطلوب من الاجهزة مع تقليص الحيز الذي تشغله عن طريق رفع كفاءة عمل الجهاز، إلا أن تحقيق ذلك سيشكل تحدياً صعباً.

ينبغي على العلماء أن يحددوا اولاً اي المواد اعلى كفاءة للاستخدام تحت الظروف والمناخات المختلفة. وفي النهاية يأمل ياو أن يتمكن من تطوير ستراتيجية لجعل هذا الجهاز اكبر دون حجب الرطوبة التي يمكن اقتناصها. يحاول ياو ايضاً أن يتوصل إلى كيفية رصف الاجهزة المذكورة إلى بعضها بكفاءة وكيف سيمكن هندسة المولد الهوائي بحيث يتاح لجهاز من نفس الحجم ان يستخرج طاقة اكثر، وليس واضحاً بعد كم سيستغرق هذا من وقت.

يقول ياو: "بمجرد تمكننا من تحقيق الصيغة الأمثل سيكون بالوسع وضع الجهاز في أي مكان."

هذه الاجهزة سيكون بالوسع دمجها ضمن طلاء الجدران في المنازل، أو صناعتها بمقياس أوسع لاستغلال الفضاءات غير المستغلة في المدينة أو نثرها في أية مساحات خالية يصعب الوصول اليها في المكاتب. ولما كان بالوسع استخدام أية مادة تقريباً فإنها ستكون أقل استنزافاً للبيئة من اشكال الطاقة المتجددة الاخرى.

يقول ياو: "الكرة الأرضية باكملها مكسوة بطبقة سميكة من الرطوبة، وهذا مصدر هائل للطاقة النظيفة، وما هذه سوى البداية لاستغلال هذا المصدر."


عن صحيفة واشنطن بوست