بدور العامري
من الطبيعي أن تكون تربية الأبناء من اختصاص الأب والأم، لكننا كثيرا ما نجد التدخل في هذا الامر من قبل الأقارب، خاصة الأجداد أو الأعمام والأخوال لأسباب معلومة، ومهما تعددت الأسباب والغايات لهذا التدخل، ينصح المختصون ألا تخرج عن إطار المساعدة والاتفاق، كي لا تتسبب بنتائج عكسية على الأطفال وذويهم.
إرباك وتشتت
يتدخل الجد والجدة بطريقة كبيرة في تربية الأطفال، خاصة اذا كانا يعيشان في منزل واحد، وغالبا ما تحدث المصادمات والمنغصات بين الأهل والأجداد، نتيجة لهذا التدخل، اذ تتحدث زينة صادق (34 عاما) وأم لطفلين عن انزعاجها من كثرة تدخل أهل زوجها في تربية أطفالها قائلة "لا أجد الحرية في تحديد طريقة تعاملي مع أطفالي أو محاسبتهم عند حدوث خطأ معين في تصرفاتهم، لأن جدهم يكون بالمرصاد ويقوم بمنعي من اتخاذ أي إجراء عقابي ضد الأطفال بحجة العطف عليهم، وعدم تحمله لحزنهم أو انزعاجهم".
وبحسب اخصائية الاستشارات والارشاد النفسي مروة المشالي، فإن تدخل الأقارب في تربية الأطفال يسبب الإرباك والتشتت لهم، نتيجة لتعدد الجهات الموجهة لهم أو تلك التي تقدم النصائح والأوامر، ونبهت المشالي على أن التأثير السلبي، لذلك التدخل من قبل الأقرباء ينعكس على قدرة الوالدين على اتخاذ القرارات الخاصة بتربية أبنائهم، بسبب تدخل أطراف أخرى في عملية إعطاء الأوامر والتوجيه، وبالتالي تحجيم دور أولياء الأمور في عملية التربية الخاصة بأطفالهم.
آثارٌ نفسيَّة
هناك أسباب أخرى تدفع بالأقارب إلى التدخل في تربية الأطفال، منها وفاة الأب أو سفره لفترات طويلة أو اعتقاد الأجداد بوجودِ قصورٍ من الوالدين اتجاه الأبناء، ما يتسبب بنتائج عكسية على الأطفال، خاصة إذا كان التدخل يشتمل على ممارسات خاطئة وغير مدروسة، في هذا الخصوص تقول أم زينب (45 عاما) وهي أرملة وأم لابنتين وولد عن معاناتها مع تصرفات أعمام أطفالها، مع ولدها المراهق محمد، اذ كثيرا ما يعاملونه بعنف وتوبيخ أمام أصدقائه بالشارع، ما يتسبب له بالحرج، وبالتالي دخوله في أزمات نفسية كبيرة، حيث أصبح أكثر تمردا ولا يسمع لنصيحتي أو كلام من هو أكبر منه، وتحدثت مروة المشالي عن الصدمات النفسية، التي يتعرض لها الأفراد في مرحلة الطفولة بفعل التعنيف من قبل أحد الأقرباء، حيث لا يمكن التخلص من آثارها نهائيا، بل ستترك اثرا كبيرا في سلوكهم اتجاه من تسبب لهم بتلك الصدمات، وغالبا ما تكون ردة فعل الطفل المعنف بالسلوك العدواني عموما مشاعر الكره أو قلة الاحترام، لمن تسبب
بتعنيفه.
مفاهيمُ خاطئة
اخصائية التنمية البشرية والتربية الحديثة سما العزاوي تقول: هناك عددٌ من الممارسات والقواعد،التي اتبعها بعض الأهل في السابق، ويحاول اتباعها حاليا مع أحفادهم هي مفاهيم خاطئة، مثال ذلك استخدام القوة والعنف في منعهم من بعض التصرفات، وتبيّن العزاوي في حقيقة الأمر أن هذه الوسائل لم تحل المشكلة، بل عقدتها أكثر من ذي قبل، حيث أصبح الأبناء يتصرفون في الخفاء، ودون علم أبائهم كي لا يتعرضوا للتوبيخ أو التعنيف، مما تسبب بإيجاد فجوة كبيرة بين الأهل والأبناء، الأمر لا يتوقف عند المشكلات الاجتماعية والنفسية، بل يتعداها إلى الصحية الأخرى، حيث أوجدت دراسة حديثة أن الأجداد يتسببون بإصابة أحفادهم بالأمراض وهم لا يشعرون، إذ حذر عددٌ من خبراء الصحة من أن إفراط الأجداد في تدليل أحفادهم وإعطائهم كل ما يطلبون من أطعمة ووجبات خفيفة، دون مراعاة مدى خطر تلك الأطعمة، وما تسببه من أضرار على صحة الأطفال.
دورٌ إيجابي
وبحسب الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي أنه ليس من الإنصاف إغفال الدور الإيجابي للأجداد على تربية الأبناء، حيث إن وجود التواصل والعلاقة السليمة بين الطفل وأجداده وأعمامه وأخواله يسهم في إغناء شخصيته وصقلها بطريقة صحيحة، ما يعطي للطفل فرصة لاكتشاف أنماط جديدة من العلاقات تتعدى علاقته بوالديه، وأوضح الخفاجي أهمية تعرف الأطفال على العادات والتقاليد الإيجابية من الأجداد، عن طريق المواقف التي تعرضوا لها في حياتهم الشخصية أو بواسطة سرد القصص، التي تحتوي على الحكمة والموعظة، ونتيجة لما سبق يشير علماء الاجتماع إلى أهمية وجود علاقة قوية بين الأطفال وأجدادهم، كونها تمنحهم مزيدا من الحنان والعاطفة، إضافة الى أن هناك عددا من الأجداد يقوم بالاهتمام بالأطفال بدرجة جيدة، وبذلك يسمحون للأم والأب بالذهاب الى وظائفهم وممارسة أعمالهم اليومية، وسط استقرار نفسي واطمئنان على أطفالهم.
وبالنتيجة فإن دور الأجداد في التربية، يجب أن يخضع لبعض الضوابط والاتفاق مع الوالدين في أهمية اتباع أسس التربية السليمة، وعدم تربية جميع رغبات الأطفال.