غيداء البياتي
إنه يوم لا أذكر تاريخه من العام الماضي، لكني اعتقد اذا لم تمس ذاكرتي جرثومة خبيثة كان ضمن أيام الحر، وتحت لهيب أشعة الشمس الحارقة وعلى ما يبدو في شهر آب اللهاب، عندما وقفت جميع عناوين الصبر خجلة، أمام اصرار رجل المرور، وهو يأثر على نفسه مواصلة الليل بالنهار، لتطبيق آلية السير في ساحات وشوارع بغداد المزدحمة بالمركبات، بصراحة أن رجل المرور الذي لم أتعرف إلى اسمه كان يقف في تقاطع جامع النداء تحديدا، قد رأى بعينيه ما أغضبني من تصرف شاب لم يكن يمتلك من الأخلاق الحميدة شيئا، ولم يسمع من قبل ان يسوق سيارته السايبا ان السياقة «فن وذوق واخلاق»، كان يحاول ان يتجاوز سيارتي بالقوة والغاية هي ان يسبقني، استفزني كثيرا بحركة يديه ورأسه مستهزئا، هذا التصرف من قبله اشعرني بالحياء واستفز خلايا نرجسيتي بما فيها الخلايا النائمة، وكنت أنوي أن أترجل من سيارتي لأركله ركلا موجعا واعلمه الادب الذي لم يحصل عليه من والديه، ولأني مدركة حقيقة أن مجتمعي الذكوري لن ينصفني ابدا، كوني امرأة فلم يكن باليد حيلة سوى تنبيهه «بهورن طويل»، الغريب أن حضرة سائق السايبا انزعج وترجل من سيارته وأخذ يشتمني بطريقته الهمجية، رآه رجل المرور الواقف في هذا التقاطع، فتوجه صوبنا وسجل له غرامه على فعلته المشينة وغير الاخلاقية، لكن الشاب المعتدي لم يتوانَ للحظة حتى اخذ يشتم القانون والدولة ومعهم أنا طبعا ورجل المرور، ثم استقل سيارته وهرب بينما استقليت بسيارتي في الجانب الايمن كي لا أعرقل سير المركبات ونزلت متوجه صوب رجل المرور المنصف وشكرته على تفانيه في عمله، واعتذرت له عما بدر من السائق غير المحترم.
هذه الاعتداءات على رجال المرور في شوارع بغداد كثرت في الآونة الاخيرة، وصرنا نشاهدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، والسبب الاول هو ترهل وضعف القانون في جميع مفاصل الدولة ومنها ذلك الذي يهتم برجال الامن والشرطة والمرور، اما السبب الثاني والاكثر تأكيدا بالنسبة لي، هو ان هذا المواطن الذي يعتدي على رجال المرور خلال عملهم لا يستحق الشتيمة، بل والده هو الذي استحقها الف مرة، لأن الذي يعتدي على رجل المرور حتما يجهل آداب الطريق واحترام الناس ورجال الامن وهذا ليس ذنبه، ولا تقصيره، بل هي محنة جيل بأكمله، وازمة عقود من الضياع، لا سيما في الفترة الاخيرة، حيث سيادة ثقافة العنف والتفاهة، وفي كل مرة ازداد يقينا بأن هذا الجيل اذا لم يتم اعادة تأهيله وتوجيهه وفق الاداب واحترام الاخر من قبل الاباء، فأنهم لن ولم يضيفوا الا كارثة جديدة للمجتمع أخشى ان يواجه بها الوالدين شتائم الناس، كخشيتهم مواجة الله يوم القيامة كونهم لم يتركوا من بعدهم صدقة جارية، ولا علما ينتفع به ولا ولدا صالحا ينالون من ورائه الرحمة.