طقوسُ العزاءِ وامتداداتها التاريخيَّة

ثقافة 2023/08/16
...

سامر المشعل 



طقوسُ العزاءِ لها جذورٌ تمتدُّ الى عهودٍ سحيقة من الحضارة العراقيَّة، والبعض يتصورُ أنَّ هذه الممارسات الطقسيَّة علقت لدى الطائفة الشيعيَّة في السنوات التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام" في كربلاء. لكنَّ هناك تشابهاً كبيراً بين هذه الطقوس وبين مظاهر العبـادة لـدى الـسومريين، وأنَّ هنـاك امتـدادات وممارسات وتـسميات ذاتها، تعـودُ بجذورها الى الحضارة السومريَّة، بل أنَّ السومريين كانوا يقيمـون طقوسهم الدينيَّة بتنظيمٍ عالٍ ومهابة، وكـان يشترك في هذه الطقوس الرجال والنساء وبتنوع الآلات الموسيقيَّة. وهذا يدلُّ بنحوٍ قاطعٍ على عمق التأثير الروحي للموسيقى في التقرب الى الآلهة واسترضائها.

يقـول جـون نـارو: "لقـد وجـدت حـضارات بـلا رياضيات، حـضارات بـلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة، لكنْ لم توجد حضارة بلا موسيقى". الى جانب مواكب الشيعة، أيضاً هناك "الزياح" في الطقوس المسيحيَّة، التي لا بُدَّ من أنَّها تحملُ بصمات بابليَّة، في زياح تحمل الأشياء المقدَّسة لتعرض على الجمهور، أو يطافُ بها بينهم، ويسير القسس والشماسة في موكبٍ غنائي من المذبح الى موضع الجوقة، ثم يعودون بعد ذلك الى المذبح.

يؤكد ستيفن لانغدون بـصدد النصوص ومحتواهـا فـي طقـوس وادي الرافـدين "أنَّهـا أعظـم نـظـامٍ لموسيقى طقوسيَّة في الأديان القديمة جميعاً".

تذكر النصوص السومريَّة مرتلات اناثاً، الأمر الذي يدعونا للاعتقاد أنَّ الطقوس الدينيَّة التي تؤديها الجوقة، كانت معدَّة لأصواتٍ رجاليَّة ونسائيَّة، وبطبقات صوتيَّة مختلفة؛ أي على مدى "الباص والتينور، والالتو، والسبرانو".. وعلى أية حال، كان ترتيل المزامير يقترن بالآلهة إنيني أو إنانا.. التي كان السومريون يعدونها الأم التي تنوح من أجل أحزان البشريَّة.

كان المغنون ذكوراً واناثاً يغنون مناحات على تموز، وكان يطلق على المغنية النائحة "سيدة العويل" أو سيدة الباكيات، التي تقابلها باللغة الأكديَّة "قاليتو". وفي جنوب العراق أيضاً تستخدم التسمية ذاتها "قواله" أي المرأة التي تنوح بصوتٍ باكٍ وحزين وتعدد مزايا المتوفى.

ومن هنا يتبين أنَّ كلمة "ملا" في أصلها لفظة سومريَّة، والمعنى الأصلي لكلمة mu_lu السومرية هو "سيد أو رجل حر"، لكنها استعملت في السومرية لتفيد معنی مرتل المزامير، وهي المقابلة لكلمة "قالو" الأكديَّة.

ولقب "مُلا" متداولٌ بشكلٍ واسعٍ في العراق، للرجل الذي يمتهن القراءة والإنشاد في المناسبات الدينيَّة وفي المأتم ومجلس التعزية الحسينيَّة، وقد شاعَ هذا اللقب في السنوات الأخيرة لأغلب روادید المنبر الحسيني، ولعلَّ أشهرهم الملا باسم الكربلائي والملا جليل وغيرهم.

المتتبع لمظاهر العبادة في الحضارة السومريَّة وكل الفعاليات الروحيَّة من استخدام الآلات الموسيقيَّة والآلات الإيقاعيَّة كالطبول والصنوج والآلات النفخيَّة والمواكب الراجلة وتنظيمها في مراسيم التعزية الحسينيَّة في محرم، كانت تقدم في الحضارة السومريَّة ولها جذورها التاريخيَّة، وهـذا يؤكـد أنَّ أبناء الطائفة الشيعيَّة هـم الـسكان الأصلاء

لحضارة سومر.