د. حنين السلطاني
يقدم الفنان الأمريكي بروس نيومان نماذج تشكيلة صورية تهتم بطبيعة الاتصال ومشكلة اللغة، باستخدام التكوين الآلي لأجهزة الفيديو، والتي تمثل رأس الفنان يتكرر في أوضاع معتدلة أو مقلوبة، تعتمد انعكاسات الرأس عبر الشاشات.
مجمل الاشكال تتواجد في فضاء غرفة يتضح منها الأرضية والجدران.
حيث قام بروس نيومان بتفكيك أنماط فنية متوارثة وخلق أنماطاً جديدة منها.
فوسع التصور القائم عن النحت ليُدخل إليه قوالب الشمع وإشارات النيون الضوئية وحركات الأجساد الملتوية ومحيطات الفيديو الغامرة وركز في اعماله على جسد الإنسان بوصفه دلالة الفكر والتدبر.
ولتعميق الدلالة اختار في أحد أعماله صورة رأسه فكان التعبير بالصرخة هو السمة البارزة التي تعبر عن العنف ومكابدة الألم والرفض، فالرأس الذي يفكر ويدبر قد أقصي بإقصاء وعيه واستلاب ارادته إزاء فوضى العالم وتفكيك بنى الأنظمة الفكرية
والاجتماعية.
ورأس الفنان هنا، يضيف بعداً نفسياً للنوازع الداخلية للفنان وإقصاء ذاته التي جسدها بالصرخة التي تمثل حالة من الإنفجار وفقدان الصبر.
وإن مصدرية العنف تتأتى عبر فقدان الحرية والقيود، التي ضيقت على الإنسان، فأضحى مؤطراً بحدود فرضها المكان وأضاع سلطة التحكم في أمره، فكانت سلطة الخارج الضاغطة على الذات جعل الشكل يتموضع بوضع مقلوب، صارخاً في كل الأحوال فيكشف بعنف عن عنف العالم والحضارة التي بتطورها لم تمنح السعادة والاستقرار.
واضاف مؤكداً، أن على التصوير الضوئي أن يقوم بوظيفته الحقيقية ألا وهي خدمة العلوم والفنون.
أي أن يخدم الطباعة والنسخ اللذين لا يتطلبان أي إبداع، بل عليه مرافقة النصوص الفنية.
كما تميزت أعماله باستخدام التقنيات الحديثة في التكوين والعرض، وهو أحد الملامح المعاصرة للحياة العصرية والغربية خاصةً والتي كان من جرائها تنامي فن الإعلان والإعلام وتداخل هذا التقنيات في عمليات التسويق والمصالح التجارية.
الأمر الذي أسهم في انزياح قيمي لمنظومة العلاقات الفكرية والاجتماعية والجمالية ففقد الفن قدسيته والنخبة التي كانت تنتج وتتذوق، وإذا كان التعبير الفني عن العاطفة والضرورة الداخلية، ضاغطاً في فترات الفن السابقة.
أما الآن فقد فَقَد الداخل ضرورته وبات الخارج هو الأجدر بالتعبير في حيز ثقافة السطح والتنوع الافقي، الذي ولّد اتجاهات وتيارات في الفن ذات سمات شعبية، تلبي حاجة الشارع والسوق وإرهاصات السياسة والحروب.
ومن هنا كانت نقطة انطلاق أعماله وإباحة المعالجات الشكلية وإسلوبية وتقنية ومضامينية جديدة.
كان العنف في مقدمة الاهتمامات التي تستسيغها الثقافة والذائقة الشعبية.
من خلال أعماله عن أهم ادوات العالم المعاصر المتمثل بالتطور التكنولوجي وتقنيات الاتصال، التي ازاحت القيم وأضاعت الهوية وقوضت النزعة الإنسانية، نجده مؤسسة على مرجعيات عدمية ولاعقلانية وتفكيكية، وتأثير من الواقع السياسي والاقتصادي في ظل سلطة الرأسمالية العالمية.
إن القراءة الظاهرة لأعمال بروس نيومان تشير إلى كشف بالأداء الفوري وتحميل الأشكال بعداً دلالياً ليس بالضرورة أن يكون بينهما رابط موضوعي أو معنى جامع.
ففي كل موضع من أعمال نيومان يستقل شكل ربما يكون طارئاً بشكله أو مضمونه عن الأشكال الأخرى، فتعيش الأشكال في شتات يفتح الآفاق على قراءات متعددة لها مدياتها في اللاوعي والانفلات من العلاقات المنطقية التي يفرضها الوعي.
فتمثلت أعماله بمجموعة من الدلائل الأيقونية والرمزية والنفسية والبلاغية والتواصلية، التي ترتكز على الفكرة والمضمون والمساحات اللونية وعلاقات التنظيم البنائي، وأن هذه الدلائل عبر نيومان عن القيم الثقافية المحلية والعالمية التي توّلدت في إطارها.
فصورة اعماله جاءت كمرآة عاكسة للثقافة وللبيئة الاجتماعية، ووسيلة من وسائل التعبير عن الهوية الثقافية البصرية، من خلال الأشكال والرموز والأيقونات والشخصيات الانسانية وفاعلية المتلقي.
وإن إمكانيــة التحكم بالتكنولوجيا وقيادتها بدقة، سمح للفنان بروس نيومان العمل بالفيديو، وإنجاز عروض تفاعليّة تنهض بشكل أساسي على الفيديو، فوفقاً للمصادر “هي منوّعة ومختلفة وسائل ووسائط
التنفيذ.
بعضها يتكئ، وبشكل كامل، على بيئة مُعالجة، أُنجزت دون كاميرا أو فيديــو، لكنها قادرة على التجاوب مع حركات المتلقين، أو عناصر أخرى، تم توفيرها لهذا الغرض.
كما أصبح الانترنت هو الآخر، من الوسائط المستخدمة والمتحكمة، بعروض فن الفيديو” عند الفنان.