التفوق وثنائيَّة الفقر والغنى

اسرة ومجتمع 2023/08/19
...

سعاد البياتي  

يقول الفيلسوف برتراند راسل «ليس للجاهل سوى الحظ، سواء في اخفاقه أو تفوقه». هذه المقولة الرائعة ولدت في مخيلتي مساحة من التفكير والمنطقية حول نتائج الدراسة للمراحل المنتهية والتفاوت الكبير في مستويات النجاح، رغم الفروقات المعيشية والبيئية، والغنى والفقر وعلاقتهما بالتفوق وهي في حالاتها المتعددة تميل إلى النوع الثاني، الذي يفتقر إلى ابسط الحقوق المطلوبة للعيش السليم، وليس للحظ علاقة بالنجاح والتفوق.
فالعديد من الطلاب الذين لم ينالوا درجات عالية في امتحانات البكالوريا التي هي موضع الحديث وشاغل الناس، يرمون فشلهم أو عجزهم عن تحقيق مبتغاهم على الحظ دون أن ينصفوا مسيرتهم العملية التي آلت إلى واقعهم، رغم ما ينعمون به من معيشة جيدة ووسائل ترفيهية متنوعة، التي تمكنهم من مواصلة دراستهم بشكل مريح، فضلا عن الدروس الخصوصية التي يصرون عليها، على عكس آخرين من الطلبة المتعففين والفقراء ممن يعيشون في بيوت طينية وتجاوز أو حتى فاقدي الصحة التامة، ومنهم عمال البناء البسطاء ولا يمتلكون حتى وسائل التكنولوجيا والرفاهية في الحياة، لمسنا فيهم الحرص الكبير على إحراز الدرجات العالية والتفوق، ليثبتوا للعالم ان الطموح هو الكنز الثمين والطريق الذي لايقف عنده حدود في الوصول إلى المبتغى المطلوب.
العديد من القصص والحكايات لهؤلاء المتفوقين في المراحل المنتهية شاهدناها على مواقع التواصل الاجتماعي، أثلجت قلوبنا وقلوب أسرهم،  امتدادا لفرحهم في النجاح الباهر، ورأينا معاناتهم في الدراسة، وكيف تمكنوا من تجاوز كل محنهم المعيشية، وكللوا رحلتهم الدراسية بأكاليل الوصول إلى الهدف والحلم الجميل، الذي تحقق بفضل حرصهم وليس على أمانيهم فقط، متعة التعلم لا تضاهيها متعة في الحياة، خصوصاً لو ارتبطت عند صاحبها بالتطوير والاصرار على النجاح، وأن من يؤمن بأن الحظ هو سبب فشله لن يشهد النجاح يوماً، سيرى دائماً انه لا طائل من الاجتهاد والمبادرة والتطور طالما أنه عديم الحظ فهي ذريعة لفشل المحبطين.
كل التقدير والاعتزاز والدعوات للناجحين والمتفوقين الذين بذلوا جهودا استثنائية ليصلوا لمبتغاهم، وتحية لأسرهم على تحملهم معاناة العيش وضنكه، وتكللت أحلامهم بنجاح أبنائهم، ونسأل الله عز وجل أن يحقق امنياتهم في الحصول على مقاعد دراسية تليق بهم وبما رسمت عليه احلامهم، ومبارك لكل المتفوقين.