عبد الغفار العطوي
هل تساعدنا دراسة السيميولوجيا الاجتماعية في تعريف نقاط مهمة تبدو مغيّبة في ثقافتنا الاجتماعيّة البصريّة باعتبارنا مجموعة اجتماعية منسلخة عن انتماءاتها الجغرافية والاثنوغرافية مستقلة لها رمزيتها الخاصة من مناخ سسيولوجي مختلف برهاناته اليوميّة وسوقه اللغوي الذي يفصله عن بقية المجموعات الاجتماعية التي ينتمي إلى حدودها السياسية فحسب (العراق) بما يطلق على (البصرة) من كونها إحدى المدن الساحلية الواقعة تحت تأثير مزاج المحيط الهندي ومؤثراته الطقسيّة والطقوسيّة التي احتفظت بما عرف باللغات الساحليّة واللسان السواحلي، مما يشكل هوية الشارع البصري التي هي بنية ذهنيّة كاملة. وتصوراً لتاريخ مجتمعي لا تحكمه إلا سوق رأس المال الثقافي الساحلي الذي يمتلك هوية بنيوية خاصة به، وفي قراءة هوية الشارع البصري اللغويّة بوصفه يشكل رأس مال ثقافي بكر هو في الأساس رأس مال لغوي، اصبح من المفاهيم الاجتماعية التي تتناول في اللسانيات الاجتماعيّة لا سيما عند عالم الاجتماع بيير بورديو (1930 - 2002)؟.
وبدراسة نصيَّة الشارع باعتباره فضاءً مستثمراً وفق منطق رمزي، عن طريق منظور سيميائي اجتماعي، أو من منظور سسيولوجي، ولعل القيام بالدراسة هنا غير بريئة، بسبب طريقة توزيعها ورمزيتها، لأنَّ الشارع شاهد على أغلب مظاهر التحولات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، كذلك نجده ملمّاً بكلِّ ما يحدثه التاريخ من تسميات متمثلة على بقايا أبنيته المندرسة بفعل الهدم والإزالة العمرانيّة وتحولها إلى مخزون خردة ثقافي لكنّه يعبق بجذوة الرهانات. وفي سوق لغوي محافظ على وفرة سعريّة لا بأس بها، والسيميولوجيا الاجتماعيّة أيضاً ساعدت في تقديم رؤية جديدة للشارع، ويمكن قراءته نصاً جغرافياً متحركاً ضمن مساحة تطول أو تقصر، المهم أن تحتمل على الفهم والتفسير المشتركين، وبإضفاء المنهجيّة على ثقافته اليوميّة، كي يمكننا قراءة ما لا يقرأ، لكن داخل نطاق نصّي، وتأتي تسميته أولاً بدءاً من الاسم (البصرة – البصري) ففي كتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار ما يعطي دلالة اشهاريّة في وعي تسمية الشيء كي يتحول لمسمى (اعلم ان الاسم إنما يصير اسماً لمسمى بالقصد) التسمية هنا للشارع البصري ليست نصاً معلقاً بعيداً عن ثقافة المجتمع، إنما هو في الخطاب الاجتماعي اليومي، البصرة والبصرى والبصيرة الأرض البيضاء، العالية من حيث له إمكانية اختراقه. ومن ثمَّ الانتشار في الفضاء الاجتماعي على نمط تركيبي وتصنيفي، مما يعني أن التسمية هي عبارة عن ظاهرة اجتماعية في ناحية معينة من نواحيها تاريخيّة ثقافيّة، التي تشكل عنصراً بارزاً من ثقافة جماعة محددة، تندمج في بنية المجتمع بالتنازل عن حقيقة تسميتها نحو تسمية استعماليّة، فستراتيجية التسمية من ثمَّ تضم في تضاعيفها عدة معانٍ ودلالات ترتبط بالشارع، إذ تكون له نظاماً من العلامات والدلالات تسمح لنا بقراءة نصيته في بعده الاجتماعي والسياسي، وتفصح عن رهانات كامنة فيه، فأصل تسميته هي قراءة في نصيته واستبيان معانيه المقصودة، فلو اعتبرنا أن الشارع البصري خزين سوق لغوي، ومن خلال رؤية عالم الاجتماع بورديو الملحّة بالاهتمام بكلِّ أشكال الهيمنة التي تمارسها اللسانيات ومفاهيمها على العلوم الاجتماعيّة، وحيث تلعب اللغة دوراً مهماً، بمفاهيمها، فضلا عن المفهوم الثقافي في البحث السسيولوجي إلى درجة لا تسمح اللغة لهذا العلم بتجاوزه، كي نستطيع معرفة أن عمليات التواصل اللغوي هي أنواع من الأسواق الصغرى التي تبقى تحت رحمة البنايات الاجمالية التي تحدد سلطة المتكلم المرخّص بسلطة كبيرة، وبذلك فإنَّ بورديو يضيف أن الدليل على الأهمية المركزيّة للسانيات في انتقال النموذج اللساني إلى حقل الاثنولوجيا والسسيولوجيا؛ لذا تتوفر عند بورديو السوق اللغوية في حالة توجيه شخص ما خطاباً موجهاً لمتلقين قادرين على تقييمه وتثمينه وتحديد سعر محدد له، فالسوق اللغوية لها خصوصيّة في تشكيل نصيّة للشارع، وتبرز هوية الشارع البصري في رهانات جوشوا فيشمان المختص في علم اجتماع اللغة، وله دراساته الكثيرة في اللسانيات الاجتماعية في مفهوم التحول اللغوي الذي يؤسس لاجتماعية الخطاب الأدبي (اللغة الشعريّة أو الشعريات اللغويّة) بتعبير روجر فولر، فمن حيث ما تطرحه اللسانيات الاجتماعية في التحول المجازي عند فيشمان، في أن حقيقة تحول اعضاء الجماعة اللغويّة الواحدة او المجتمع التعددي الواحد من متغاير إلى آخر في جميع أنحاء المدن السواحليّة في لغاتها التي تمتاز بها بأنّها تؤدي إلى تبدل الرهانات، ويستحيل ثبات تسمياتها، أي نفي تطابق الاسم لمسمّى ما، ويرى بورديو أن علم الاجتماع معني بالاهتمام بالوقائع الاجتماعيّة التي تحمل أسماء أعلام وأسماء عامة، فقد أقر في كتابه (ماذا يعني القول؟) على تفسير الوضعيات الاجتماعية وممثلي الجماعات بواسطة الصيغ اللغوية التي يستعملونها، من حيث التجانس الإثنولوجي والسسيولوجي المتوفر في خارطة المناخ الهندي اللغوي الثقافي المؤثر على السواحل القارة من الهند وباكستان وايران فالبصرة، ثم دول الخليج العربي من الكويت البحرين قطر الإمارات العربية عمان اليمن الصومال جزر القمر (الأسواق اللغوية الساحلية) التي تمتلك هوية خطاب مجنّس تاريخيا وشعرانيا، ويعتبر الشارع البصري المثال الجيد للسوق اللغوية التي عالجها بورديو بمنطق سيميائي يفصله عن توقعات الانتماء السياسي له، فجميع اللغات بمنظار فيشمان التي تمتلك جذوراً ساحليّة تتوسع في مفرداتها النحوية كي تستوعب الرهانات التي يمكن توظيفها لغرض أن تكون التسميات الاجتماعية متقاربة.