بغداد: أسرة ومجتمع
لم تعد صدمة حينما نرى أو نسمع الزواج في خريف العمر، فالعديد من الحالات باتت طبيعية لم يستنكرها المجتمع، وهذا في واقع الحال يعد وحسب تحليلات علم النفس والاجتماع، هو البحث عن الاهتمام أو قضاء الاعوام المتبقية مع شريك يمد له يد العون والرعاية، وفي أحيان كثيرة الرغبة في العيش باطمئنان مع وجود مورد مادي جيد للشريك.
بعض كبار السن يرغبون الزواج مرة أخرى، وإن مضى بهم العمر، وفي هذا نستطلع الآراء لمعرفة الأسباب والدوافع.
استغراب
يقول جاسم محمد :» رغب والدي بالزواج من أخرى لتهتم به وتتابع متطلباته بعد مرض والدتي، وهو بعمر 60 عاماً، وبعد الموافقات تم ذلك باستغراب الاهل والاصدقاء، إلا أن القضية مرت بسلام وأصبح الموضوع طبيعياً.
وتروي سناء طالبة جامعية حكاية جارتها التي تزوجت وهي في سن الخمسين من أحد اقاربها الذي يكبرها بعدة اعوام، وبعد زواج أبنائها واستقرارهم بعيدا عنها، وعلى الرغم من معارضتهم لهذا الزواج أصرت عليه، لا سيما وأنها ميسورة الحال وتتمتع بالصحة. وتضيف بقيت حكاية تلك الجارة تتداولها الألسن لأشهر في المحلة، الا أن قررت بيع منزلها والانتقال إلى مدينة أخرى.
الشعور بالوحدة
وتقول مريم سعد 25 عاماً « لم اتوقع أن يتزوج والدي فتاة تقاربني في العمر، فوالدي في السبعين عاما، وهي في الثلاثين من العمر، وحصلت الموافقة لأن والدي ميسور الحال، وحسب قوله إنه يبغي العيش بسعادة بعد وفاة زوجته، وإنه يشعر بالوحدة القاتلة ولا بد من وجود شريك يجمل حياته ويعتني به، مما حصلت بعد هذا القرار خلافات اسرية وقطيعة، اذ لم نتأقلم مع الوضع الجديد له!
مواصفات
وتبين ساجدة نوري 30 عاماً: »تزوجت منذ أربع سنوات وكان فارق السن بيننا 25 عاما، مما أثار مشكلات بيني وبين أسرتي إلا انني أصررت على زواجي منه، لانه يستحق الاهتمام، فهو رجل مثقف ويحمل شهادة جامعية وليس لديه أولاد، وكلها مواصفات تستحق الموافقة، رغم معارضة الاهل، إلا أنني وجدت فيه الزوج المناسب رغم فارق العمر وهي ليست مشكلة بالنسبة لي!
وتوافقها الرأي زميلتها 25 عاما، والمتزوجة من رجل يكبرها بخمس عشرة سنة، إذا قالت مبتسمة:»لم يكن فارق العمر بيننا عائقا لطالما أن علاقتنا تسودها المحبة والتعاون، وشعوري الدائم بالأمان معه، وحالته المادية جيدة، وهذا مطلب كل امرأة، فليس هناك أي سبب لرفضه.
سلوك طبيعي
اما علي احمد 63 عاماً يروي حكايته بالقول » توفيت زوجتي منذ زمن بعيد بسبب المرض وبقيت سنوات مع ابنتي الوحيدة، وحينما تزوجت شعرت بالوحدة والكآبة، وانعدام الرعاية والاهتمام، لذلك قررت الزواج والعيش مع إنسانة تحترم وجودي وحالتي المادية المعتدلة نوعا ما، فاختارت لي ابنتي زميلة لها في الثلاثينيات وبعد الموافقة تم ذلك بيسر، وأرى انه سلوك طبيعي لايتعارض مع مبادئ الاسرة والمجتمع.
نظرة المجتمع
الدكتور غالب المرسومي استاذ علم النفس يقول:»إن هذا النوع من الزواج يقابل بالرفض والاستهجان كونه يسبب الخجل والحرج للأبناء، وانجاب الأطفال في هذا العمر المتقدم، أو مشكلات تتعلق بالأرث وصراع الأولاد عليه، بالاضافة إلى أن هذه الزيجات تكون غير متزنة في كثير من الأحيان وغير متكافئ، مما يسبب بانهياره سريعا ويلجأ إليه عند انشغال الأبناء وسفرهم، وهو زواج يحلله الدين لطالما في الأطار الشرعي.
وتابع «يكمن الرفض خوفا من نظرة المجتمع القاصرة والأعراف الخاطئة، متناسين الاحتياجات التي يشعر بها هؤلاء والأجدى هو وضع أنفسنا في موضعهم، والتقرب منهم ومعرفة ما يحتاجوه بالتفاهم والحوار، فكثير من كبار السن حسب المرسومي يبحثون عن الاهتمام والعاطفة لاسيما بعد سنوات من خمول العلاقة مع الشريك والاصابة بالملل والاهمال، والانشغال بمتطلبات الزوجة والأولاد أو إرضاء غرور الزوج، ورحيل الزوجة أو الزوج، كما أن الوضع الاقتصادي والمادي المرتفع والميسور يدفعهم للزواج.
تلافياً للمشكلات
وتبين الاخصائية الاجتماعية سجى عدنان»عند تزوج الفتاة من رجل يكبرها كثيرا في السن لتمتعه بشخصية حكيمة وناجحة، ولديه خبرة في الحياة يجب أن تتأكد من مشاعره نحوها، وأن يتقبل المحيطين بها، ويتعايش معهم والتفاهم حول انجاب الأطفال، ومعرفة إذا كان منفصلا عن زوجته أم ما زال، لتلافي المشكلات التي ستحصل بعد الزواج، وضرورة أن يدرس مثل هكذا قرار بشكل عقلاني من قبل الآباء والأمهات الراغبين بالزواج، والحرص على تكافئ العمر، وعدم إنشاء العداوة والصراع مع أولادهم، كما يتطلب من الأولاد مراعاة مشاعر آبائهم، وعدم التفكير بأنانية وتفهم احتياجاتهم.