تفاقم أزمة تلوّث المياه في العراق.. أسباب معلومة وحلول غائبة!

ريبورتاج 2023/10/04
...

   بدور العامري

الماء هو أحد الموارد الطبيعيَّة الأساسيَّة على هذا الكوكب، وعلى الرغم من أن أكثر من 70 % من سطح الأرض مغطى بالمياه، إلا أن حجم المياه النقيَّة القابلة للاستخدام نحو (0،3) منها. ونتيجة للتغيرات المناخيَّة العالميَّة المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، فضلا عن سوء استخدام المياه وعدم الاستثمار الأمثل لها، باتت مشكلة تلوث المياه والانذار بحدوث كوارث بيئيَّة وصحيَّة وتهديد الأمن الغذائي لعدد من الدول من دون غيرها، وبحسب تقارير المنظمات الدوليَّة المختصة فإن بلاد الرافدين في مقدمة تلك البلدان.
مياه ملوّثة
تبيّن العديد من الدراسات البيئيَّة والصحيَّة أنَّ هناك ارتفاعًا في معدلات التلوث في أنهار العراق وخاصة نهر دجلة الذي تقوم على ضفافة مدن كبيرة من الشمال الى الجنوب، وبصورة أقل منه نهر الفرات وزارة البيئة بدورها حملت القطاع العام المسؤولية الكبرى عن تلوث مياه نهري دجلة والفرات، لأنَّ أغلب مياه الصرف الصحي تُرمى بالنهرين او روافدهما، مطالبة وزارة الموارد المائيَّة وأمانة بغداد والدوائر البلديَّة في المحافظات بضرورة إنشاء مشاريع وبنى تحتيَّة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وبحسب مسؤول شعبة الحد مخاطر الكوارث في وزارة البيئة أسامة إبراهيم محمد في لقاء متلفز، إنَّ مليون وخمسمئة لتر مكعب تُرمى كمخلّفات سائلة في نهر دجلة في بغداد فقط، من مصانع ومصافي ومحطات توليد الكهرباء والمستشفيات، مبيّنًا أنَّ هذه المشكلة تضاف إلى أزمة شح المياه في العراق مما ينتج عنه شرب مياه ملوّثة، الامر الذي يتطلب وقفة جادة من جميع الجهات لتلافي هذه المخاطر.

مشكلات صحيَّة
المواطن علي راضي (42 عامًا) من سكنة الكوفة محافظة النجف الأشرف شكا من تصريف مياه المجاري مباشرة الى نهر الفرات، مع وجود محطة تصفية لمياه الشرب على بعد 100 متر من هذا المشروع، الأمر الذي يتسبّب بتلوث مياه الشرب نتيجة احتوائها على الجراثيم والمواد الخطيرة الأخرى المسبّبة للأمراض والأوبئة، المواطن علي يؤكد عدم صلاحية هذه المياه حتى للأغراض الزراعية، فضلًا عن تسبّبها بانبعاث الروائح الكريهة في منطقة سكناه، مما جعلها مكبًّا للنفايات وتجمع الحيوانات السائبة، أما المواطنة أم سلام (53 عامًا) فتشكو من رداءة نوعيَّة المياه الواصلة للمنازل التي كثيرًا ما تكون مصحوبة بكميات كبيرة من الطين والروائح غير المرغوبة، ووفقًا لتقرير تنمية المياه العالمي لليونسكو عام 2021: "تتسبب مياه الشرب الملوّثة بوفاة ما يزيد عن 800 ألف شخص نتيجة الاسهال الناجم عن شرب مياه ملوّثة بمخلّفات الصرف الصحي وعدم نظافة اليدين، كما يتسبّب تلوث الماء بـ 50 نوعًا من الأمراض وترتبط رداءة جودة مياه الشرب بـ 80% من الأمراض بصورة عامة، كما تتسبّب بـ 50%من أسباب وفيات الأطفال على مستوى العالم.

الصرف الصحي
وبحسب المختصّ والناشط البيئي الدكتور قيس جاسم، أن من أهم الأسباب التي أدت الى زيادة تلوث نهري دجلة والفرات على سبيل المثال لا الحصر، هو مياه الصرف الصحي الذي يصرف الى مجاري الرافدين من دون معالجة تذكر، والمتمثلة بمخلفات الاستخدام اليومي للإنسان ومجاري المستشفيات والمعامل، فضلا عن محطات الكهرباء التي تستخدم مياه الأنهر لتبريد محركاتها، فضلًا عن المواد النفطيَّة والفضلات الصناعيَّة ومخلّفات مواد القطاع الزراعي والفضلات السائلة والصلبة البديلة، ويعد الصرف الصحي الملوّث الأول لمياه نهري دجلة والفرات في العراق، حيث تتزاحم عليهما أنابيب الصرف الصحي الثقيلة والمنشآت الصناعيَّة المشيّدة بالقرب منهما، اذ تؤثر تلك المخلّفات سلبًا على نوعية المياه وهي تنذر بتراكمها بتأثير أكبر، لا سيما على ضوء قلة تصريف النهرين بسبب الجفاف وإقامة العديد من السدود على مجاريهما خاصة داخل الأراضي التركية.
تجاوزات
المتحدث باسم وزارة الموارد المائيَّة الدكتور خالد شمال، أوضح أنَّ التعامل مع ملف المياه في البلاد ما زال يعاني من الطرق البدائيَّة وما تزال مؤسسات الدولة بعيدة كل البُعد عن الاستخدام المستدام للمياه، وفي جميع أنواعها سواء كانت لأغراض بشريَّة أو زراعيَّة أو صناعة او غيرها، إذ ما زال الفلاح العراقي يستخدم طريقة الري السيحيَّة لسقي مزروعاته والتجاوز على الحصص المائيَّة للفلاحين الآخرين في منطقته أو على مستوى المدن مع بعضها، شمال أوضح أنَّ وزارته مستمرة في التعامل مع ملف تلوث مياه نهري دجلة والفرات عن طريق مخاطبة الجهات المتجاوزة على مصبّات الأنهر وتوجيه الإنذارات بالتنسيق مع الجهات التنفيذيَّة المختصّة برفع التجاوزات وبالطرق القانونيَّة. من جانبه نبَّه الدكتور قيس جاسم الى أن الصرف الزراعي (مياه البزل) هو أحد عوامل تلوث النهرين، إذ يتمثل بالصرف الناجم عن مخلّفات عمليات الري وغسل التربة للأراضي المستصلحة، والذي يحمل الملوحة الناجمة عن ذلك، مضافا لها مخلّفات الأسمدة الكيمياويَّة او الطبيعيَّة التي تضاف للأراضي الزراعيَّة.

مياه الشرب
اعتاد المواطن العراقي على تجدد أزمة مياه الشرب مع كل صيف نتيجة لعدة أسباب اجتمعت خلال الصيف الحالي وأدت الى انقطاع تام لمدة أسبوع في مناطق معينة من العاصمة بغداد، أو تذبذبه في مناطق أخرى، وبحسب مدير عام العلاقات والإعلام في أمانة بغداد المهندس محمد الربيعي "فإنَّ هناك ثلاثة أسباب لمشكلة شح مياه  الشرب وتلوثه خلال فصل الصيف في بغداد والصيف الحالي على وجه الخصوص، أولها: انخفاض مناسيب مياه نهر دجلة تسببت بزيادة الترسّبات ومن ثمَّ الحاجة الى استبدال فلاتر محطات تحلية مياه الشرب، مما أدى الى انقطاع المياه لعدة أيام في بعض المناطق، وتابع الربيعي، اما السبب الثاني للمشكلة فيعود الى ارتفاع درجات الحرارة مما يتسبّب بقطع الكهرباء عن بعض المحطات نتيجة الضغط الحاصل على عليها مما يتسبب بخروج عدد من محطات تصفية المياه عن الخدمة لحين إعادة تشغيل مولدات الكهرباء التي تستغرق ما لا يقل عن ثماني ساعات لحين بدء ضخ المياه للأحياء السكنيَّة.

إهدار
لا يخفى على أحد حجم الإهدار الكبير في استهلاك مياه الشرب الذي يمارس من قبل بعض المواطنين وأصحاب المشاريع الأخرى، إذ كثيرًا ما نرى التفريط بكميات كبيرة من المياه في الشوارع الرئيسة والفرعيَّة لغرض غسل المركبات، عن طريق نصب مضخّات كبيرة تعمل على استنزاف تلك المياه وعدم استثمارها في المكان الحقيقي لها، ويقول المهندس محمد الربيعي "إنّ الهدر الموجود داخل المنازل والاستخدام المفرط  للمياه، يؤثر سلبًا على حصص المناطق الأخرى من كمية المياه التي توفرها محطات التحلية، في الوقت الذي يتسبب فيه التجاوز من قبل بعض المواطنين على شبكات الماء على احداث التكسّرات في الأنابيب مما يؤدي الى اختلاط الماء النقي بالمياه الملوثة، وهو السبب الثالث لتلوث مياه الشرب، ولفت الربيعي إلى أن أغلب شبكات محطات التحلية هي قديمة أساسًا وبحاجة الى تخصيص مبالغ كبيرة لتجديدها، مشيرًا إلى أن أمانة بغداد توفر المياه الصالحة للشرب بنسبة 80% من سكان العاصمة، أما 20% المتبقية فهي تكون تحت انشاء محطات ضخ وخزن جديدة، او ما تسمى المناطق غير المخدومة (العشوائيات).

إجراءات
إنَّ تلوث المياه يحمل آثارًا وخيمة على صحة الانسان ورفاهيته، لذلك من الضروري اتخاذ إجراءات كفيلة بالحد من تلوث نهري دجلة والفرات وحماية جودة المياه فيهما، أولها عدم تصريف مياه المجاري الى الأنهار وروافدهما، والعمل على معالجتها قبل وصولها الى الأنهر مع إعادة استخدام تلك المياه في ري التربة والمزروعات، كذلك استخدام الأجهزة المضادة للتلوث في المصانع الحديثة والجديدة يعد أحد حلول تلوث المياه، وبناء محطات معالجة المياه وتنقيتها وفق أحدث المواصفات العالميَّة، التعامل مع النفايات والمخلّفات الصناعيَّة بالطرق النظيفة بعيدًا عن المياه السطحيَّة والجوفيَّة، منع إلقاء القاذورات والنفايات بالقرب من الأنهار أو فيها، كما يعتبر الحد من استخدام المبيدات الحشريَّة الضارة على البيئة من الأمور التي تسهم في معالجة تلوث المياه، وأخيرًا إقامة الحملات التوعويَّة والتثقيفيَّة للمواطنين بشأن كيفيَّة الحفاظ على المياه من التلوث، وإشراك مراكز الإعلام والمؤسسات التربويَّة والتعليميَّة في هذا المجال.