فجر محمد
لقد كان العالمُ على موعد مع تجربة تثيرُ القلق، لم تكن متوقعة، ألا وهي التغيرات المناخيَّة العاصفة والغريبة في الوقت ذاته، ففي الماضي لم تكن تغيرات المناخ عاصفة الى هذا الحد، وخصوصاً في الوقت الحاضر الذي تشهد فيه مناطق من الكرة الأرضيَّة أعاصير وأمطاراً وفيضاناتٍ وزلازل، في حين مناطق أخرى تعاني الشح والجفاف وتقلبات المناخ والعواصف الغباريَّة. تشير البيانات الحديثة والمرتبطة بالتاريخ أيضاً، الى أن انبعاث الغازات الدفيئة وبكميات كبيرة في الجو كان له أثرٌ واضحٌ في التغير المناخي، وهذا يرتبط بشكل كبير بالصناعة وما أفرزته من غازات ومخلفات أثرت في البيئة، وهذه العوامل مجتمعة سيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ في جميع قطاعات الحياة المختلفة والحيويَّة.
الكواكب والزلازل
لم يكن العلم يربط كواكب المجموعة الشمسيَّة بما يحصل من تقلباتٍ في المناخ، واقتصرت أهميته على معرفة ومتابعة حركتها ومساراتها، أما اليوم فقد ربطت النظريات والبيانات والمعلومات ما يحدث من زلازل وهزاتٍ أرضيَّة بهذه الكواكب، ويشير صاحب نظريَّة (الكواكب)، الأكاديمي والعالم العراقي الدكتور صالح محمد عوض الى أنَّ هناك «أسباباً متعددة للزلازل ومنها قوى خارجيَّة خاصة بمواقع الكواكب التي تدور حول الشمس وتغير انتظامها بشكلٍ مستمر، إذ تسلط تلك الكواكب جهداً على الأرض مختلفاً في كل انتظامٍ معينٍ من خلال حساب مقدار ذلك الجهد المسلط على الأرض، إذ يمكن وضع احتماليَّة توقع لحدوث الزلزال».
ويضيف عوض أنَّ «ما حصل في شباط المنصرم، ما هو إلا ارتصافٌ كوكبيٌّ عالي الجهد فقد كان على أوجه في أوائل ذلك الشهر، ما حفز الألواح على الحركة وحصل الزلزال المدمر بقوة 7.7.
وبعد ذلك غيرت الكواكب من وضعيتها قليلاً واختلف موقع القمر فوقع الزلزال الثاني في تركيا يوم 20 شباط بقوة 6.5».
وتشير التقارير والدراسات والبحوث الى أنَّ تلك التغيرات المناخيَّة، تؤثر بشكلٍ كبيرٍ في سكان الكرة الأرضيَّة، وفي جميع القطاعات الصحيَّة والاقتصاديَّة، إذ تعاني العديد من مناطق ودول العالم من مشكلات في القطاع الزراعي.
موجات الحر
يعاني العالمُ اليوم من موجات حرٍ غير مسبوقة، فقد ذكرت التقارير أنَّه في صيف العام 2018، تسببت موجات الحر المرتبطة على الأرجح بتغير المناخ في إنتاج محاصيل أقل بكثيرٍ من المتوسط في أجزاءٍ عديدة من العالم، وهذا أدى الى مزيدٍ من حالات فشل زراعة المحاصيل المتنوعة وبالتالي ارتفاع أسعار الغذاء العالميَّة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الخسائر تُقارن مع العام 1945، وهو أسوأ حصادٍ في الذاكرة.
ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة (تغير المناخ والأرض) وهو خاصٌّ من اللجنة الدوليَّة للتغيرات المناخيَّة الذي سلَّطَ الضوءَ على التغيرات المختلفة ومن بينها التصحر، وتدهور الأراضي والأمن الغذائي، وتدفقات غازات الدفيئة في النظم الأيكولوجيَّة الأرضيَّة.
بحسب الخبراء فإنَّ الفيضانات التي حدثت في بداية القرن الـ21، قد تكون مرتبطة بتغير المناخ وهذا بدوره أدى الى قصر موسم الزراعة في العديد من المناطق حول العالم.
ومن التوصيات المهمَّة التي شدَّدَ عليها المختصون في مجال البيئة، أنْ يتمَّ ترشيد استخدام الأسمدة الكيميائيَّة والعضويَّة ومبيدات الآفات، فضلاً عن ذلك ينبغي استعمال موادّ خاصَّة تساعدُ في تنظيم العمليات النيتروجينيَّة في التربة، وكل هذا يتطلبُ
معرفة مفصلة بمصادر إنتاج
غازات الدفيئة من خلال مختلف العمليات الميكروبيَّة التي تجري في التربة.
تأمين الغذاء
لا يُخفى على أحدٍ تأثير العواصف الغباريَّة والزلازل وشح الأمطار وغيرها من الظواهر الطبيعيَّة في الزراعة والنباتات، وهذا سينعكسُ على الأمن الغذائي بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ؛ لذلك لا بُدَّ أنْ تكون هناك خططٌ لتأمين الغذاء، في ظل التغيرات المناخيَّة الواضحة.
ويرى الباحث بالشؤون الاقتصاديَّة والأكاديمي الدكتور فالح الزبيدي، أنَّ «توفر إنتاجٍ وطني وزراعة متطورة ومتقدمة ومنتجات وموادّ ضروريَّة قادرة على سد احتياجات الفرد، أمرٌ لا بُدَّ منه، في ظل كل ما يعاني منه العالم من متغيرات، لكنَّ هذا الأمر لم يتحقق لأنَّ البلاد ما زالت تستخدمُ وسائل الري التقليديَّة»، وبحسب الزبيدي فإنَّ «الدول المتطورة اتجهت الى تقنين وسائل الري وابتكار آليات جديدة تضمن استهلاكاً مقنناً للمياه، بالرغم من قدرة الفلاح العراقي على إنتاج ما يسد الحاجة بل ويفيض، وهذا ما تمَّ تحقيقه قبل أعوامٍ قليلة، إذ كانت هناك منتجات زراعيَّة ومهمَّة للفرد، أنتجت أكثر من النسبة المطلوبة لكنه بحاجة الى الدعم والإسناد
الحقيقيين».
برامج وخطط
في المؤتمر الدولي لمكافحة العواصف الرمليَّة والترابيَّة أكدت وزارة البيئة أنَّ البلاد تؤمن بضرورة التعاون الإقليمي والعالمي، من أجل تحسين جودة البيئة خصوصاً في مجال مكافحة آثار العواصف الغباريَّة والرمليَّة والتي تأتي الى البلاد من خارج حدوده.
من جهته بين مدير إعلام وزارة البيئة أمير علي الحسون أنَّ «مؤتمر المناخ الذي عقد في العراق خلال شهر شباط المنصرم، يشكلُ انطلاقة حقيقيَّة وفعليَّة لدى وزارات الدولة لتنفيذ الخطط والمفاهيم والبرامج»، لافتاً الى أنَّ «الوزارات المعنيَّة بالموضوع قد بدأت بتنفيذ البرنامج المطلوب منها بهدف الانتقال لعراقٍ أخضر مستدام، وتمكين الدولة من تنفيذ ووضع الخطط والبرامج الوطنيَّة لا سيما في ما يتعلق بتقليل الانبعاثات المضرة».
وفي تصريحٍ سابقٍ لوزارة البيئة، فإنَّ زيادة العواصف الترابيَّة وارتفاع الغبار في الجو له تأثيرات سلبيَّة متعددة في واقع البيئة في البلاد، إذ يؤدي تلوث الهواء الجوي بالجسيمات العالقة التي تحمل من قبل ذرات الغبار بالتزامن مع العواصف الرمليَّة، الى جعل مناطق البلاد المختلفة ملوثة وغير صحيَّة، فضلاً عن إلحاقه الضرر بالنباتات والأشجار، ما يسببُ الجفاف وتلف المحاصيل الزراعيَّة أو التسبب بتأخير نموها بسبب ترسب الغبار على الأراضي الزراعيَّة.
تقنين الاستيراد
إنَّ الاهتمام بالبيئة وإيلاء التغيرات المناخيَّة أهميَّة كبرى، والعمل على معالجتها بطرقٍ وأساليب حديثة سينعكسُ إيجاباً على الأراضي الزراعيَّة والمُزارع والحقول في البلاد، التي بطبيعة الحال تنتج خيراتٍ كثيرة ولكنها لم تأخذ بعد مكانتها الحقيقيَّة في السلة الغذائيَّة للمواطن، ومن وجهة نظر الدكتور فالح الزبيدي فإنَّ «دعم الفلاح وإسناده تعدُّ خطوة مهمة من شأنها النهوض بالواقع الزراعي، فضلاً عن تقنين الاستيراد والسيطرة على دخول الخضراوات والفواكه من خارج البلاد، لأنها تؤثر بالتأكيد في الناتج المحلي وتسبب تراجعه في السوق، فضلاً عن المشكلات التي يعاني منها الإنتاج المحلي مثل شح المياه وجفاف العديد من المناطق، بسبب قلة الإطلاقات المائيَّة من قبل دول الجوار، ما دفع الجهات ذات العلاقة الى منع الفلاح من زراعة الشلب وبالتالي لن يكون هناك رزٌ عراقيٌّ في الأسواق، في حين يمتاز الرز العراقي بكونه من المنتجات المتميزة التي تلاقي إقبالاً كبيراً من قبل المواطن.
هذه المشكلات تحتاج الى وقفة حقيقيَّة وبرامج وطنيَّة للنهوض بالواقع الزراعي المحلي.