ريسان الخزعلي
(1)
توماس ترانسترومر، شاعر سويدي (1931- 2015)، حصلَ على جائزة نوبل عام 2011. وهو من كبار شعراء السويد، كما تقول الموسوعات الشعرية المختصّة، وحاصل على جوائز إبداعية عدّة. قام بترجمة أعماله الشعرية الكاملة الأستاذ: قاسم حمادي، كما أعادَ قراءتها وقدّم لها: أدونيس. وقد صدرت عن دار (بدايات السورية) عام 2005. تضم الأعمال الشعرية مجاميع الشاعر: 17 قصيدة - 1954، أسرار على الطريق - 1958، السماء نصف المكتملة - 1962، تناغمات وآثار- 1966، رؤى ليلية - 1970، دروب -1973، بلطيقيات (البحيرات الشرقية) – 1974، حاجز الحقيقة - 1978، الساحة الوحشية - 1983، من أجل الأحياء والموتى- 1989، جندول الحزن- 1996، اللغز الكبير وأشعار الهايكو - لا توجد سنة الإصدار.يقول الشاعر في استهلال الأعمال الشعرية: إلى القارئ العربي، كنت كلّما سُئلت عن نظرتي إلى الشعر المُترجم أُجيب أنَّ الشعر الأصل هو في حدِّ ذاته ترجمة. القول الشعري بيان لقصيدة غير مرئية خلفَ اللغات المتعارف عليها، لذا تصبح الترجمة إلى لغة غريبة محاولة أخرى لتحقيق واقعية القصيدة الأصل (انتهى). إنَّ القارئ لترجمة هذه الأعمال الشعرية، سيجد صدى قول الشاعر - القول الشعري بيان لقصيدة غير مرئية خلف اللغات المتعارف عليها - واضحاً، وهو احتراز ضمني، بأن الترجمة قد لا توصل القول الشعري إلى المتلقّي كما هو الأصل، فكرةً وبناءً وتشكيلاً ودلالاتٍ وجمالياتٍ.. إلخ. وتبقى الترجمة (محاولة أخرى) لتحقيق واقعية القصيدة الأصل على حدِّ قوله، لأنَّ القصيدة ستكون (غير مرئية) خلف اللغات الأخرى. وهذا ما سندركه أيضاً من خلال شعره في هذه الترجمة، وفي أيّة ترجمة أخرى سواء كانت لشعره أو شعر غيره. إلّا أنَّ الاستثناء وارد جداً، إذ سبقَ وأن طالعنا ترجمات رصينة للكثير من الأعمال الإبداعيَّة. إنَّ/ ترانسترومر/ وعلى حدَّ اطلاعي، لم يصلنا بمثل هذه السعة التي توافرنا عليها في هذه الترجمة.
(2)
يقول أدونيس في التقديم: إذا كانت الصّورة «فجر الكلام»، كما يقول باشلار، فإننا نجد هذا الفجر في شعر توماس ترانسترومر. ولئن كان التعبير الحيّ يرتبط بالقدرة على إبداع الصّور، فإننا نجد كذلك في هذا الشعر مثالاً فريداً عن هذا التعبير. المجاز مقترناً بالإيجاز، والحداثة موصولة بالكلاسيكية، والغريب، نابعاً من الأليف: تلك هي ثنائياتٌ في شعر توماس ترانسترومر، أعدّها مفاتيح أساسية للدخول إلى عالمه الشعريّ، وللإحاطة به.
ولا أعرف إن كان أدونيس قد قرأ شعر الشاعر باللغة السويدية أم لم يقرأهُ، إذ لا يمكن أن يصح هذا التوصيف إلا من خلال معرفة لغة الشاعر كما يُفترض، في حين يُشير العنوان الثانوي على الغلاف: نقلها إلى العربية قاسم حمادي، وأعاد قراءتها وقدّم لها أدونيس، أي أعاد قراءة الترجمة وليس قراءة القصائد بلغتها الأم!.. هكذا أفهم الأمر. كما لا أعرف أيضاً، كيف تمّت الإحاطه بشعره من خلال الترجمة؟! لأن هكذا إطلاق لا يتم إلا بمعاينة الأصل؛ كون الإحاطة تعني الاكتشاف الفني/ الجمالي من خلال أنماط وأساليب الشعرية السويدية بكامل توصيفاتها: اللغوية والبنائية والإيقاعية والتشكيلات الصورية والإيحاء والرمز والدلالات والمعنى والجذر التكويني الأشمل.ويقول أدونيس أيضاً: يُحاول ترانسترومر أن يقول في شعره وضعه الإنساني، وأن يقدّم هذا الشعر بوصفهِ فنّاً يُفصح عن هذا الوضع، ولئن كانت جذوره الشعرية منغرسة في أرض الشعر، في أصوله الكلاسيكية والغنائية والرمزية، فإنه في الوقت نفسه ينخرط في حركية الحداثة، واقفاً على عتبة المستقبل (انتهى).ومثل هذا التوصيف،لا يصح إلا إذا كان أدونيس على اطلاع واسع بماهية الشعر السويدي ومراحل تطوّره التي أشارَ إليها من خلال اللغة السويدية والشعرية السويدية فقط، وأمل أن يكون ذلك.
(3)
في الملمح الفني، ومن خلال الترجمة، يبدو شعر/ ترانسترومر/ حكائي (بالادي) أي أنّه أقرب إلى البناء القصصي، فليس ثمّة إدهاش شعري متأتٍ من مقوّمات شعرية صادمة لما هو مألوف. وأكرر أنَّ الانطباع هذا هو ما تعكسه الترجمة، وأكيد أنَّ الشاعر في مشهد الشعر السويدي - من خلال لغته الأم ومستويات الشعرية السويدية - له الارتفاع الإبداعي العالي الذي يجعله من كبار الشعراء السويديين. وفي النماذج الآتية يمكن التدليل على النمط البالادي في شعره، وهو النمط الأكثر شيوعاً:* السترة بالية كمثل قطيع من الذئاب. الوجه رخام. يجلس وسط رسائله في غيضة تئن أخطاء وسخرية، وقلبهُ يطير كمثل ورقة في الممرات القاحلة.
* النورس، ربّان الشمس، يشق طريقه. تحتهُ الماء. لا يزال العالم هاجعاً كحجر في الماء كثير الألوان. يوم غير مفسر - أيام تشبه أحرف الآزتيك.
* شجرة ضخمة بجذع محرشف، وأوراق شفّافة، وخلفها أشرعة بيضاء مليئة بشموس بعيدة. كانت تنزلق بنشوة. وكان النسر قد حوّم عالياً.