د. فالح الحمـراني
أشاد تقريرٌ صادرٌ عن معهد الشرق الأوسط في موسكو بإنجازات حكومة السيد محمد السوداني التي تجلت بتحقيق جملة من الخطوات العمليَّة في المجالات الماليَّة وهيكلة موازنة الدولة والتخطيط الاقتصادي واستقلاليته والضمانات الاجتماعيَّة التي ستمهدُ لتحريك عجلة الاقتصاد بقطاعيه العام والخاص، وفي مجالي الوقود والطاقة، لوضع البلاد على طريق الازدهار والإصلاح وتحسين نوعيَّة حياة جميع الشرائح الاجتماعيَّة. وليس ثمة جدلٌ في أولويات إعادة هيكلة اقتصاد البلاد وتخليصه من طابع الاقتصاد الريعي إلى نزعة الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وتهيئة الظروف الملائمة لتدفق الاستثمارات الأجنبيَّة، ورفع مستويات الإدارة بالاعتماد على الملاكات الوطنيَّة ذات الخبرة والمهارة.
وبحسب التقرير فقد واجه العراق بلا شك عدداً من المشكلات المتعلقة بالاقتصاد والأمن والبيئة. بيد أنَّ التطورات الأخيرة تؤكد حقيقة أنَّ بغداد تحرز تقدماً في معالجة هذه القضايا الأساسيَّة، وثمة مؤشرات على أنَّ البلاد تتحرك في الاتجاه الصحيح تحت قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ورجح التقرير أنَّ خطة الموازنة الطموحة للحكومة العراقيَّة للسنوات الثلاث المقبلة ستلعب دوراً مهماً في خلق فرص العمل والحد من البطالة. ومن المتوقع أنْ تستحدث أكثر من نصف مليون فرصة عمل جديدة في القطاع العام. وبما أنَّ التقديرات تشير إلى أنَّ عدد السكان في العراق سيتضاعف بحلول العام 2050، فهذا يعني الطلب على فرص عملٍ سيزداد. وحسب تقديره: إذا نُفذت خطة الميزانيَّة الطموحة هذه بالكامل وبنجاح، فستساعد أيضاً على تحسين نظام الضمان الاجتماعي في البلاد.
وربط الخطوة الثانية الواعدة بقانون الضمان الاجتماعي العراقي الجديد، الذي أدخل إصلاحات كبيرة على نظام الضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الخاص. ووفقاً لتقيمه فإنَّ قانون الضمان الاجتماعي الجديد للعاملين في القطاع الخاص يكتسب أهميَّة بالغة، نظراً لأنَّ الكثير والكثير من مواطني البلاد، بمن فيهم العاملون لحسابهم الخاص والعاملون غير الرسميين، سيتمتعون بحق الضمان الاجتماعي. فضلاً عن ذلك، سيتمُّ تطبيق القانون على استحقاقات الأمومة خلال الحمل والولادة، وعلى البطالة، والتأمين الصحي من خلال مختلف المانحين، بما في ذلك من القطاعين العام والخاص.
وقال إنَّ الحدث الإيجابي الثالث هو إطلاق السيد رئيس الوزراء الإصلاحات التي طال انتظارها في القطاعين المصرفي والمالي. موضحاً أنَّ هذه الإصلاحات الأساسيَّة ذات طابعٍ حيوي، لأنها ستساعد في مكافحة الفساد في النظم الماليَّة والمصرفيَّة وتؤدي إلى النمو المالي والاقتصادي. مؤكداً أنَّ رئيس مجلس الوزراء يتعاملُ بجدٍ مع مشكلة الفساد، بما في ذلك إعطاؤه تعليمات مفصلة حول "تبسيط جميع الإجراءات المصرفيَّة وإعداد قائمة مقترحة بالفرص والإجراءات المبسطة التي سيتمُّ عرضها خلال الأسبوع، فضلاً عن ملخصٍ للمعوقات التي تعرقلُ عمليَّة الإصلاح المصرفي، وكذلك اقتراح وضع آليات فعالة وممكنة لحلها بهذه الطريقة للمساعدة في التغلب على الظروف التقليديَّة المعتمدة التي تعيق تحقيق هدف الحكومة المتمثل في تطوير هذا القطاع المهم من الاقتصاد والخدمات".
واستطرد بالقول: كما يتخذ العراق عدة خطوات أخرى من المرجح أنْ تؤدي إلى النمو الاقتصادي. أبرز من بين تلك الخطوات توقيع العراق في حزيران الماضي، عدة مذكرات تفاهم مع مصر تغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك الماليَّة والتنمية الإداريَّة والدبلوماسيَّة وفي مجال السياحة. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت بغداد اتفاقيَّة تعاون متعددة الأطراف مع الأردن ومصر، تهدف إلى تعميق التكامل الاقتصادي الثلاثي. ومن المؤكد أنَّ هذا التحالف سيحقق فوائد في مجالات مختلفة مثل التجارة والأمن والقطاع المالي.
علاوة على ذلك، وقعت حكومة العراق مع شركة الطاقة الفرنسيَّة توتال إنرجيز في تموز اتفاقيَّة بمليارات الدولارات. ومن المفترض أنْ تساعد هذه الاتفاقيَّة بشكلٍ مثاليٍ على حل مشكلة نقص الكهرباء التي طال أمدها. وتعدُّ الاتفاقيَّة التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار أكبر استثمارٍ أجنبي في تاريخ العراق، حسب تقدير التقرير. وستقوم شركة أكوا باور السعوديَّة كجزءٍ من المشروع، ببناء محطة طاقة شمسيَّة بقدرة 1000 ميغاوات في وسط البلاد. وسيقلل ذلك من اعتماد العراق على استيراد الغاز من إيران ويخفف التوتر الناشب في العلاقات بين واشنطن وبغداد بشأن طهران. لقد التزمت الحكومة العراقيَّة بأنَّ الخلافات والفساد لن تعرقلا تنفيذ مثل هذا المشروع المكلف والمهم.
فضلاً عن ذلك، تحاول الحكومة تنويع اقتصادها. فالمعروف أنَّ العراق، ثاني أكبر منتجٍ للنفط في أوبك بعد المملكة العربيَّة السعوديَّة، ويعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط في إيراداته. وهي تمثلُ ما يقرب من 92 ٪ من إيرادات موازنة البلاد. ويعرض مثل هذا الاعتماد على النفط، البلاد لخطرٍ كبيرٍ عندما تنخفض الأسعار، كما حدث في العام 2020. ولا يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي إلا من خلال تعزيز القطاع الخاص، والاستثمار في البِنْية التحتيَّة والصناعات الأخرى، وتطوير السياحة، والأهم من ذلك، الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة.
وأخيراً، يعاني العراق من تأثيرٍ كبيرٍ لتغير المناخ. وقد جرى تحديده كخامس أكثر الدول عرضة في العالم لتغير المناخ، الأمر الذي يضيع في الأولويات البحث عن حلولٍ مستدامة لمعالجة المشكلات البيئيَّة في العراق. إنَّ وضع السيد السوداني مكافحة تغير المناخ في الأولويات عن طريق تدابير واسعة النطاق، والتي يأمل أنْ يتمَّ تنفيذها بحلول العام 2030، يعدُّ حدثاً إيجابياً. وأضاف: كما يتخذ القادة العراقيون خطوات بناءة، مثل تنفيذ سياسات لمكافحة تغير المناخ والمشاركة في الأحداث البيئيَّة العالميَّة والإقليميَّة الرئيسيَّة. وهذا موضوعٌ ملحٌ للمنطقة بأسرها. كما يعاني العراق من بين 30 دولة نقصاً كبيراً في المياه.
وخلص التقرير بتأكيد أنَّ العراق مع أنَّه يواجه العديد من التحديات الرئيسة، إلا أنَّه يسير في الاتجاه الصحيح ويحرز تقدماً تدريجياً في حل مشاكله الماليَّة والسياسيَّة والبيئيَّة.