ا.د. عامر صباح المرزوك
تلعب الجامعات دورًا مهمًا في تعزيز المفاهيم والقيم التربوية والمعرفيّة، وتعد المصدر الرئيس في بناء شخصية الطالب، وتسهم في صناعته عبر مجموعة من المعارف على وفق متطلبات المجتمع، ولا يقتصر دور الجامعات في الجانب التعليمي فقط، بل يكون دورها الأبرز في النهوض بالواقع، ونشر الثقافة والفنون والآداب بشكل أكاديمي يرتقي بالمجتمع ويهذبه. احتضنت الجامعات منذ تأسيسها النشاط المسرحي في مختلف أنواعه، لما له من واقع إيجابي على نشاط الطالب داخل أروقة الجامعة وخارجها، ولنا في ذلك الكثير من الأمثلة العالمية والعربية التي كان لها الأثر الكبير في تطوير العملية التعليميّة والتربوية والاجتماعيّة.
تطور النشاط المسرحي في الجامعات، وافتتح أقسامًا للنشاط الفني وتعين متخصصون في مجال الفنون يقومون بدورهم في تفعيل هذا النشاط، وتقديم أعمال مسرحية مختلفة بحسب ما مطلوب منهم وبحسب المواسم الدراسية.
توسع النشاط المسرحي وبدأ يخرج من أروقة القاعات الدراسية وأصبحت هناك مهرجانات متخصصة، يتبارى فيها الطلبة فيما بينهم من أجل تقديم عروض مسرحية متميزة، وبالفعل لو تفحّصنا هذا النشاط المسرحي لوجدناه متميزًا، وقد خرج من عباءة هذا النشاط الكثير من الفنانين الذين أصبحت لهم تجارب فنية كبيرة.
ولعل هذا النشاط المسرحي تبلور تحت مفهوم (المسرح الجامعي)، وهو كيان فني لا يدركه غالبية المشتغلين فيه، ولذا فإنهم يطلقون عليه اسم (مسرح الهواة)، وهذه التسمية - بحسب رأيي - تقلل من إمكانات هذا المسرح، وتجعله لا يحتكم للقواعد والشروط الفنية التي تجعلنا ننظر إليه كفن مسرحي حقيقي، ودليلنا على ذلك هو تلك المشاركة الفاعلة لتجارب المسرح الجامعي في مهرجانات مسرحية محلية وعربية وعالمية، استطاعت أن تحصد الجوائز، والأهم من ذلك أنّها لا تزال في ذاكرتنا الحية كأنموذج للمسرح الجاد الذي نريد.
ويعود المسرح الجامعي بأصوله إلى العروض التي كان يقدمها الطلبة في الكليات والجامعات في إنكلترا وفرنسا وألمانيا منذ القرن الخامس عشر، ومن أهم الفرق المسرحية التي أسهمت في تطوير أصول الإلقاء والتعريف بنظريات المسرح هي فرقة (فطناء الجامعة).
أما الصيغة الحديثة للمسرح الجامعي فقد بدأت في أوروبا ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية من خلال مجموعة من المسرحيين والمثقفين أمثال الكاتب الاسباني (فدريكو غرسيا لوركا 1898 - 1936) مع فرقة (لاباراكا) في إسبانيا عام 1933، والباحث الفرنسي (رولان بارت 1915 - 1980) مع جماعة الحضارة القديمة في السوربون بفرنسا عام 1963، وتم تقديم مجموعة من ترجمات لنصوص كلاسيكية يونانية ورومانية والتقديم على مسارح تقليدية، كما قدمت الفرق المسرحية الجامعية للحركة المسرحية في أوروبا مجموعة من العروض المسرحية المهمة، كعروض المخرج السويدي (إنغمار برغمان 1918 - 2007)، والمخرجة الفرنسية (آريان منوشكين 1939)، والمخرج اللبناني (روجيه عساف 1941) والمخرج السوري (فواز الساجر 1948 - 1988)، وسواهم الكثير(2).
تكمن أهمية النشاط المسرحي الجامعي في خَلْق أجيالٍ إيجابية تخدم المجتمع وتسهم في تنشيط الواقع العلمي والتربوي، كما يسهم المسرح الجامعي بكل أشكاله وأنواعه في بناء الحس الفكري والجمالي في نفوس المتلقين، وينمي عملية التذوق الفني لديهم، فينعكس ذلك إيجابًا على المجتمع الجامعي من خلال إشاعة روح الإمتاع، وعَبْرَ الاشتراك في جماعات طلابية متنوعة تنفتح على الكليات بأقسامها ومراحلها الدراسية المتعددة، مما يجعل الطلاب يتخلصون من الضغوطات اليومية والروتينية التي يعانون منها بسبب أعباء الدراسة والبحوث التي تطلب منهم.
وللنشاط المسرحي الجامعي مجموعة من الأهداف التربوية نذكر منها:
- المساهمة في التربية الجمالية لطلاب الجامعة.
- الارتقاء في المستوى اللغوي والأدبي للطلبة.
- يعمل على إثراء العلمية التعليمية من خلال مشاركة الطلاب وتفاعلهم مع العروض المسرحية عقليًّا وعاطفيًّا.
- يُنمي المشاعر الأخلاقية تجاه الإنسانية.
- يساعد على الإعداد الثقافي والعلمي للطلاب ليستطيعوا مواجهة الواقع والتأقلم معه.
- اكتساب الشباب خبرات شخصية وقدرة على تحمل المسؤولية.
- الترفيه واستغلال أوقات الفراغ.
- غرس العادات والتقاليد الحاضرة وتطوير الاحكام الأخلاقية لحاجات المستقبل.
- يبعد الطلبة عن التفكير المتطرف بشتى أشكاله.
ولعل النشاط المسرحي الجامعي يأخذ من المسرح ذات الأهداف في كونه يلعب دورًا تربويًّا بارزًا، وشكّل أحد عناصر التربيّة غير المقصودة أو غير المباشرة التي رافقت المجتمعات، فلقد مارس المسرح، ولا يزال، دورًا تربويًّا مؤثرًا في بناء شخصية الفرد وفي رسم صورة المجتمع بحسب ظروف وجوده وحيثياته في كل بلد وكل مجتمع أو جماعة في العالم، وذلك من خلال وظيفته كوسيلة اتصال كانت على مر العصور.
إنّ عالم المسرح في التعليم عالم مفتوح ومتسع ومتشابك وقد نرى مدى تنوع مجالاته، وتعدد منطلقاته واختلاف طرائق تطبيقه، فهو يتسم بالتشارك والتفاعل ما بين المشتركين فيه وتتيح مجالًا للاستكشاف والتعبير الفردي والجماعي، ويمنح المشترك إمكانية توظيف خبراته ومعارفه والبناء عليها.
وهكذا، فإنّ النشاط المسرحي الجامعي شكّل ظاهرة حضاريّة تحمل مجموعة من الأهداف التربويّة، تحمل على عاتقها معالجة القضايا الجامعيّة، فضلا عن قضايا المجتمع الحياتيّة، فضلًا عن تنمية قدرة الطلبة على التحدث في مجالات الحياة كافة.
وأخيرًا كلما وجدنا نشاطًا مسرحًا جامعيًّا متطورًا، فإن ذلك يدل على وعي الجامعة وتفوقها علميًّا وإداريًّا، وأنها أدركت مبكرًا أهمية تعزيز النشاط الفني وحاجة الطلبة إلى الإبداع والابتكار وتنمية الجانب الثقافي، إلى جانب تطوير الاختصاص العلمي الذي يدرسه الطالب داخل قاعة الدرس، وقد تخرج من صفوف المسرح الجامعي نخبة كبيرة من المبدعين في مجال المسرح والسينما والتلفزيون، بل أغلبهم أصبحوا نجومًا للشاشة.
الهوامش:
1 - بشار عليوي: الانساق الوظيفية والمفاهيمية للمسرح داخل الجامعة، (القاهرة: إصدار ملتقى القاهرة الدولي الأول للمسرح الجامعي، أكتوبر 2018م)، ص70- 73.
2 - هشام زين الدين: التربية المسرحية: الدراما وسيلة لبناء الإنسان، (بيروت: دار الفارابي، 2008م)، ص26.
3 - لينا نبيل أبو مغلي، ومصطفى قسيم هيلات: الدراما والمسرح في التعليم: النظرية والتطبيق، (عمان: دار الراية للنشر والتوزيع، 2008م)، ص17.