بغداد: غيداء البياتي
يتوجب على الثلاثينية همسة العبادي أن تكون حذرة في حديثها وتعاملها مع إحدى زميلاتها في العمل، كونها اكتشفت أن الأخيرة تضع كل كلمة وتصرف يبدر من المقابل في ميزان، ويبقى المعنى له يصول ويجول في ذاكرتها على ما تقول وتضيف:» خلال تعاملي مع بعض الناس تدور في ذهني الكثير من الاسئلة، ولا أجد لأغلبها اجابات، كون هؤلاء الاشخاص يختلفون عن تفكيري واسلوب حياتي وطريقة انطلاق كلماتي العفوية، كما يتعارضون ايضا مع رؤيتي لأمور الحياة،
هذا ما يجعلني أعتقد أن السلام في مثل هذه العلاقات هي القطيعة والابتعاد، خوفا من التعارض في وجهات النظر وردة الفعل غير المتوقعة والناتجة عن التحليلات العميقة والسلبية للشخص المختلف عنا».
علاقاتٌ محدودة
العبادي أكدت أنها من قبل أربعة اعوام قررت أن تكون علاقاتها وصداقاتها محدودة مع بعض الشخصيات، التي تروق لها وتنسجم معها في إسلوبها العفوي، وصفاء نيتها خلال التبادل بالحديث وأنها غربلت أكثرهم لتتجنب العلاقات المؤذية حسب قولها.
لم يعد الموظف في دائرة الكهرباء علي الخزاعي «46» عاما يتكلم مع زملائه في العمل، إلا بما هو ضروري فقط، فهو أوضح وجهة نظره تلك بالقول :» بسبب الخوف من ردة فعل بعض الأشخاص غير الصادقين في المشاعر والكلام مع أنفسهم أولا، ومع زملائهم ثانيا اتخذت موقفا بعدم الخوض في تفاصيل اي موضوع أو البوح بالكثير من الكلام مع عدة شخصيات؛ وذلك من أجل أن أحمي نفسي من ظنونهم السيئة، والتي تجعلني في خانة الشك والاتهامات الباطلة، لأنهم صدقوا مخيلتهم الواهمة لامور ليس لها أساس».
اما المدرسة نور ناصر فهي الأخرى لم تكن تعلم أن عليها أن تقدم شرحا مفصلا لكل تصرفاتها وكلامها، وذلك نتيجة اتهامات وجهتها لها إحدى الزميلات بعد أن فسرت ما قالته خطأ، واخذته إلى منحى آخر بعيدا تماما عما قصدته ناصر، فهي تقول: « يصعب على الإنسان أن يكون موضع شك أو يحاكم على كلام لم يكن له فيه قصد سيئ، مبينة أن تجربتها مع صديقتها جعلتها حذرة مع الجميع وأنها تفضل الابتعاد عن تلك العلاقات».
الرأي الاجتماعي
استاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد د. طالب السوداني قال لـ»صفحة الاسرة والمجتمع»:» أن هذا الموضوع يندرج تحت عنوان ثقافة التعامل مع الآخرين داخل المجتمع الواحد، لأن شخصية الإنسان تختلف حسب المجتمع الساكن فيه، وأن أغلب العلاقات المستنزفة تبنى على الخوف وعدم الأمان، وبالتالي تؤدي بالأشخاص إلى الارهاق الروحي والنفسي، لأن الإنسان هنا تكثر لديه علامات الاستفهام، ويبدأ الشخص بالغوص والتفكير بزوايا الموضوع قبل أن يتفوه بكلمة واحدة مع الشخص السيئ الظن، فيحسب حساب كل كلمة تصدر منه قد تكون عفوية، لكنها في نظر بعض الاشخاص تحمل معنى اخرى خفيا، هذا ما يجعل تلك العلاقة أو الصداقة مستنزفة ويجب الحذر أو الابتعاد عنها».
السوداني أوضح أن:» الابتعاد أو الانعزال عن الناس ليس الحل للتخلص من سلبية العلاقة، لأن الانسان لا يمكن أن يعيش وحيدا منعزلا بنفسه عن الآخرين، والحل هو المحاولة في انتقاء أشخاص مناسبين يفهمون دون شرح أو تبرير، ويعرفون قصد كل كلمة تبدر من لاخرين، وبذلك يكون على طبيعته دون أن يضطر للتبرير أو الشرح المفصل لكل كلمة، وبحسب رأي د. طالب فإن الجميع بحاجة لعلاقات مريحة تمنحهم الأمان وتتقبلهم على طبيعتهم».
نصائحُ تصحيحيَّة
رئيس جمعية الأطباء النفسانيين العراقية د. حيدر المالكي بيَّن :» في علم النفس يطلق على هذا النوع من العلاقات «بالمسمومة»، لأن أصحابها يتبادلون المشاعر السلبية ويكونون بقلق مستمر، ومن أجل تعزيز التفاهم المتبادل في تلك العلاقات يجب أولا وضع حدود، أي أن يعرف كل شخص ما له وما عليه ويتعامل مع الاخرين على اساس الاحترام المتبادل، اضافة إلى أن من الضروري جدا في بناء العلاقات الإنسانية أن يحدد كل شخص مكانة البقية من حوله بالنسبة له، كما أن على الإنسان أن يراجع نفسه، ليعرف ما اذا كان هو المخطئ في علاقاته أو أنه من الأشخاص، الذين يتمتعون بالصراحة ووضوح المشاعر، وعلى الشخص أن يتجنب استخدام كلمات مبهمة أو غير واضحة، خلال خوض الحديث مع الآخرين، والابتعاد قدر الإمكان عن استخدام مصطلحات معقدة، ويحاول التحدث بلطف ورقة ووضوح مع الآخرين، كما أن عليه أن يكون مستمعا جيدا، وينتبه لما يقوله زميله، مستعينا بلغة الجسد مثل التعاطف، حين الحديث عن موقف مؤلم أو العكس عند الأخبار الجيدة، كل ذلك يسهم في تحسين فهم الشخص الآخر لنا، ويقلل من الارتباك أو الاستبعاد في التواصل».