غيداء البياتي
أعرف أن بعض الظن إثمٌ بالنص القرآني الكريم، ولكني ظننتها مبالغة من زميلة لي تكبرني عمرا، وهي تقول إنها تتصدق بنصف راتبها شهريا لتعيل ثلاثة أطفال نازحين مع أسرتهم من الموصل؛ لتمنحهم فرصة التعليم في المدرسة، وألا من يصدق أن هنالك أسرة واحدة من هذه المحافظة الجميلة، لا تزال تعيش مهجرة من دون وطن صغير يأويها، خاصة أني كنت قد زرت الموصل قبل فترة، واستمتعت بأسواقها وحدائقها وغاباتها، وأنها في أمان الله ورعاية أبطالنا من الجيش والشرطة.
المهم أنني وبعد الحوار مع الصديقة العزيزة مروة والأسئلة والتقصي من جنابي الكريم لها عن تلك الأسرة، عرفت أنها تعاني منذ سنوات من صعوبات مالية؛ لا سيما بعد أن فقدت معيلها ومنزلها في الموصل من قبل عصابات «داعش الإرهابيَّة» ولطالما حلمت والدة الاطفال بأن يتلقى صغارها تعليما جيدا، لكن الظروف المالية لهم جعلت ذلك أمرا مستحيلا، فصارت تطهو رغيف الخبز وتوزع الادوار على الصغار لبيعه وجني المال، وأصبح من الصعب عليهم تلقي العلم والتمتع بأبسط حقوقهم في بلد ينعم بالخيرات، لكن على جيرانه وليس على أهله، هذا ما قالته مروة بالنص، وأضافت أنهم بنتان وولد يكبرهم فهو في السادس الابتدائي، ولم يرضَ لشقيقتيه أن يعملن، فهو يغار عليهن غيرة الشريف على عرضه، فعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه يعمل منذ طلوع الشمس إلى مغيبها، مرة في بيع الماء والخبز ومرة في تنظيف المحال وثالثة في خدمة المنازل ورابعة في متاعب الحياة، وخامسة في كل هذه الأماكن، مجتمعة عسى أن يستقر على مهنة سهلة تدرُّ ذهبًا وبيضًا ولحمًا وأحلامًا وردية، لكنه لم يجد، فوهن جسده وبان عظمه.
وأود التنويه هنا إلى أن قرار زميلتي كان صائبا، وفيه ضربا من ضروب الشهامة، حينما قررت إعادة الاطفال إلى مقاعد الدراسة، لتكسب أجرا مضاعفا في الدنيا والآخرة.
بعد أن أتعبت نفسي بمعلومة تمنيت لو لم أسمعها، حيث إنني يا صديقتي العزيزة، لست وزيرة ولا مسؤولة في الدولة، حتى آمر بإيواء الأطفال في قصر على نهر دجلة وآخر على الفرات، وما كان أمامي سوى ذكر معاناة بعض الاطفال بكتابة ورقية دون صوت أبكي وجعا عليهم في يوم يحتفل العالم بجميع أطفاله لتعزيز الوعي لديهم وتحسين رفاهيتهم؛ إلا العراق يحتفل بهم ومنذ أعوام مضت من دون مزامير ولا مطربين ولا طبول ولا وجبة طعام أو هدايا، ولا حتى رقصة شعبية أو «جوبية» تقام في يومهم غدا الموافق 20 تشرين الثاني والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون اليوم العالمي للطفل .