حذارِ من الهوس

منصة 2023/11/23
...

تعني كلمة (هوس) في معجم المعاني: (الوقوع في حيرة واضطراب، ويقال فلان مهووس أي خفيف العقل، وهوس القوم تعني وقعوا في اختلاط وفساد).
أما علماء النفس فلهم فيه رأيٌ أعمق وأخطر، بل إنَّهم درسوا المصابين به وتوصلوا الى عدّهم صنفاً من أصناف الشخصيَّة أسموها (الشخصيَّة الهوسيَّة). وما يدهشك أنَّهم شخّصوا فيها صفاتٍ ستقول عنها: معقولة كل هالحزمة من الصفات موجودة بالهوسي. نبدأ بأغربها:
• يشعر الهوسيون أنَّهم أشخاصٌ رائعون، ويملكون حماسة لا حدودَ لها بخصوص ما يفعلون أو في التخطيط لما يفعلون، وأنَّ العالم مكانٌ مدهش.
وبعد.
• يتملك الهوسيون شعوراً بوهم العظمة يمتزجُ بالتهيج وسرعة الانفعال، ولحظة يكونوا في أعلى حالات الغبطة والزهو فإنَّهم ينظرون الى الآخرين على أنهم بطيئون أو متوانون، ومفسدون للمتعة.
وبعد..
• الهوسيون يصبحون عدائيين تماماً، عندما يحاول أحدٌ ما التدخل بسلوكهم.
وبعد..
• الهوسيون يحبون يتكلمون بصوتٍ عالٍ، وسريعٍ، وتمتلئ أحاديثهم بالتورية أو التلاعب بالألفاظ، وبالتفاصيل غير المترابطة، والنكت التي لا تضحك غيرهم.
• المصاب بالهوس تتناقص حاجته الى النوم. فهو قد يكتفي بساعتين أو ثلاث ساعات نومٍ في الليلة. ومع ذلك يمتلك من الطاقة ضعف ما يمتلكه الأشخاص الآخرون من حوله.
• ذهنه ينصرفُ بسهولة من موضوعٍ الى آخر، فهو عندما يفعلُ شيئاً أو يناقشُ موضوعاً معيناً (الوضع السياسي مثلاً)، ويرى شيئاً آخر، كأنْ يكون حمامة، فإنَّه يتركُ الموضوعَ السياسي ويروحُ يحدثك عن الحمام وأنواعه.
• الشعور بالغبطة والزهو والصورة المتكلفة للذات، تقود المصاب بالهوس الى أفعالٍ متوهجة وتصرفات طائشة ما كان يقوم بها قبل استيلاء الهوس عليه، من قبيل سياقته لسيارته برعونة، وتبذير أمواله، وتصرفات جنسيَّة حمقاء. كما أنَّه يصبح غير مكترثٍ بحاجات الآخرين، ولا يهمه أنْ يصيحَ بأعلى صوته على عامل مطعم، أو يطلبُ بالهاتف صديقاً له بعد منتصف الليل، أو يصرف ما ادخرته العائلة لأيام الشدة.
• الهوسي من يحب يرى في محبوبته كل معاني الجمال والسحر، يحلم بها ليل نهار، ويصبح تحت تأثير حالة وجدٍ هائلة ورغبة عارمة في تملك محبوبته حتى لو كانت ترفضه أو تكرهه، وتحدث الأعراض نفسها عند الهوسيَّة، وربما أشد.
 وآخر بعد:
• المصابون بالهوس ينظرون الى ذواتهم بإعجابٍ متطرف، وبأنَّهم أناسٌ مهمون، وممتلئون قوة، وقادرون على تحقيق إنجازات عظيمة في ميادين هم في الواقع لا يمتلكون أيَّة موهبة فيها، تأليف سيمفونيات موسيقيَّة، أو روايات أو قصائد شعريَّة، أو تصميم أسلحة نوويَّة، أو الاتصال بكبار المسؤولين في الدولة لنصحهم في كيفيَّة إدارة أمور البلاد. فقد راجعني شابٌ (مهندس) في الثلاثين من عمره يقول عن نفسه إنَّه متعدد المواهب، منها أنَّه يفهم في صنع الطائرات، ويفهمُ في الطب، ويريد إعطاء محاضرات في كليَّة الطب، وأنَّه نظم قصيدة شعريَّة من ألف بيتٍ وصفها من قرأها بأنها جمعت روعة عبقريين في الشعر، المتنبي ونزار قباني!. وأنه راجع مدير القوة الجويَّة، ووزير التعليم العالي، واستطاع أنْ يقنع أحدهما.
هذه الصفات (البلاوي) التي أخذت (كم بعد)، هي التي دفعتنا أنْ نحذّر قرّاء الصباح من الهوس، وأكيد أنَّ من بينكم من سيقول: شكراً (حذارِ من اليأس) على إشاعتك الثقافة النفسيَّة في زمنٍ نحتاجُ فيه أنْ نلتفتَ الى صحتنا النفسيَّة.