علي العقباني
«أنا جار القمر» بعبارة أكثر دقة لم أكن جارها.. هي كانت تسكن معي، ومع الوقت صارت تسكن بي.. ولم تفارقني قط..
قد لا أذكر صباحاً لم أستمع فيه لصوتها العذب.. ربما اقترنت فيروز بصباحاتنا على الأغلب، لكني كنت أسمعها في كل الأوقات... لقد كانت سيدة كل وقت..
لا أعتقد أن هناك معنىً إنسانياً لم تغن عنه فيروز، حالة، موضوع، حب، انتظار، صراع، ريف، مدينة، سياسة.. باختصار كانت تغني حياتنا وأرواحنا، احساسنا ونبضنا.
كل صباح كانت تغني لتدفأ أرواحنا من صقيع البشاعة والدمار والموت والخوف، نتمسك بالحب والحياة والأمل.. بما تبقى في أرواحنا من نبض.
كل من لحن لك كان يُدرك أنك ابنة الحياة.. وأن صوتك قادرٌ على جعلها أجمل... سواء كنا على طريق، أو رصيف، أو مفرق... تحت المطر، أو في ظلال أوراق الخريف..
كل يوم كانت «تنطرنا» كي نستيقظ لتبدأ معنا الصباحات.. لقد كانت تمسك مفاتيح أرواحنا.
كانت ذاكرتنا، بل الذاكرة بلا فيروز وصوتها ناقصة الملامح والعبارات.. ناقصة النور.
كأنها لا تكبر أو تشيخ.. لا صوتها، ولا روحها، ولا ابتسامتها...
جرب أن تنصت قليلاً ستسمع صدى صوت من الجبال، والصحارى، والغيوم، والسماء، والأرض، والينابيع.. هو صوتها وقد سكن في كل مكان.
مذ سكنتِ روحي وكنتُ صغيراً، كتبتُ اسمك على الحور العتيق.. وما زال محفوراً.
كنت أعلق صورتك على أحد جدران غرفتي، وكأنك سيدة المكان.. كنت واقفة بجوار الباب، كلما دخلت ألقي عليك السلام وكلما خرجت كنت تودعيني.. لقد كنت أعلم أن صوتها يسكن هنا.. يسكنني كما يسكن جدران غرفتي.
تكتمل صباحات الحياة بك.. بصوتك وكلماتك.. بوجهك وقد علته ابتسامة من نور.. بمفردات أيام ماضية تستحضر كل ما في الحياة.. هكذا ينبعث صوتك.. دافئا هامسا.. قادماً من مذياع قديم أو من مسجلة سيارة يرفض صاحبها تبديلها أو سحب شريط «الكاسيت» منها، وتارة يأتي من أعماق مقهى عتيق، صوت كمعجزة، قادماً من زمن سحيق، يمنح الحياة الفرح والتفاؤل يملأ بعذوبته ورِقّته أرواحنا لنكمل حياتنا ويومياتنا.
ونحن إذا نحتفل بك، بعيد ميلادك.. نحتفل بأنفسنا، ونحن نغني لنسيطر على عبث الزمن والوحشة والغربة وأعين أن فعل الحب وصوتك قادران على جعل الحياة أجمل.