أ. د. باسم الاعسم
من أعماق ريف حاضرتنا الدغارة الظهير الثقافيّ للديوانية التي أنجبت الرسامين والنحاتين أمثال صالح العامري صانع الجندي المجهول، والنحات حسين الكرعاوي والرسامين أ. د. عاصم الأمير، و أ. د. كاظم نوير الزبيدي، و د. محمد جحالي، فضلا عن النقاد والشعراء، فقد أبصر النور الفنان أبا القاسم الموسوي، النحات الفطري المحترف منذ بواكيرعمره.
ومنذ كان في سن الخامسة من عمره استحوذت على مشاعره مفردات البيئة الريفية من قطط، وأشجار، وصقور، فراحت أنامله تدوف الطين الحري، فيصيره أشكالا نحتية جميلة، ودقيقة، ومثيرة، مصاغة بوعي فطري، وأحساس عفوي يفصح عن موهبة مضمرة، وطاقة تخيلية ذات مديات واسعة تجلت في ما بعد بهيئة منحوتات صاغتها أنامل مبصرة ذات مجسات ذكية في صناعة المنحوتات الدالة على رهافة حس أبا القاسم، والتي طالما ألهبت حماس وتفاعل الجمهور الذي شاهدها في اثناء افتتاح المعرض النحتي الذي أقيم في كلية الفنون الجميلة - جامعة القادسية بحضور عميدها الفنان أ.د. كاظم نوير الزبيدي، وأساتذة النحت، فنالت أعماله استحسان الجمهور من فرط جمالها، وحسن صياغتها، واكتمال هيئتها ذات الخطوط المنسابة كما لو كانت من إنتاج فنان محترف شهير.
ولعل اعتراف أساتذة النحت بقدرات النحات والرسام أبا القاسم يعد مصداقا لقولنا بخصوص فرادة أعماله النحتية المائزة على الصعد الفنية، والتعبيرية، والمضمونية لهذا الفنان الحالم منذ صباه في أن يكون كالنحاتين الكبار، أمثال جواد سليم وسواه، ولذلك يؤرقه أمر تصميم عمل نحتي على غرار نصب الحرية. ويذكر أن أبا القاسم يجيد الرسم بشكل دقيق حتى أعانه في إضفاء ملامح الدقة والخلق الإبداعي القويم على أعماله النحتية والخزفية، بعد أن كان يحاكي الطبيعة، ولعب الأطفال فينتج أعمالاً ذات حس واقعي بحيثياتها، بحيث تقترب كثيراً من هيئتها الواقعية حد التطابق الخلاق وليس التقليدي.
ونظرا لتمكنه البارع في الرسم، فقد فاز في المسابقة التي أجريت عام 2014 في كربلاء بالمرتبة الأولى في معرض الرسم، وحاز على جوائز عدة.. هذا الفتى المسكون بالخلق والإبداع في مضامير الرسم والخزف والنحت، وقد سبق له أن تأثر بالفنان البرازيلي (فابيانو ميلاني) الرسام الواقعيّ فتعزز أسلوبه الواقعيّ، لأنه يسعى بإتجاه التأثير في ذائقة المتذوق والاستحواذ على مشاعر الجمهور عبر الدقة الواقعية في الرسم أو النحت، وتحقيق أقصى مدى ممكن من المشابهة البعيدة عن الفوتوغرافية.
لقد جرب الفنان أبا القاسم العمل مع مادة الطين في مراحله الأولى، ثم مادتي الجص والبرونز، فأبدع فيهما ومن خلالهما، مما يؤكد توفره على حساسية فنية مرهفة، وعيون مبصرة في التعامل مع الكتل النحتيّة أو اللوحات التشكيليَّة، بمهارة واضحة وإحكام منضبط يضفيان على الأعمال صفة الديناميكية في منأى عن الجمود والرتابة.