كيف يمكن معالجة {التأتأة} والتلعثم؟
سريعة سليم حديد
قد تظهر العديد من المشكلات والإعاقات الجسدية عند الأطفال، ولكن طرق التعامل معها قد تختلف، إذ إن منهم من تدقعه إعاقته إلى الانطواء والاستسلام للأمر الواقع من دون إمكانية أن يتجاوز أو يستغل الإعاقة بشيء مفيد، على خلاف غيره من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين وصلوا من خلال مشكلتهم إلى أعلى درجات النجاح والشهرة.
إن أبرز إعاقة تصيب الطفل بالصدمة من امكانية التواصل مع المجتمع هي التأتأة، ونذكر العديد من المشهورين الذين يعانون من هذه الإصابة، ومنهم: "نابليون بونابرت، واسحاق نيوتن، ونستون تشرشل، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي فاز بجائزة نوبل للآداب، وكذلك "مستر بين"، هذا الرجل الذي تمكن من أن يصبح أشهر ممثل كوميدي، حيث كان يقول إن "هذه المشكلة تذهب وتختفي تماماً، عندما ألعب دور شخصية غير شخصيتي، وكان ذلك هو الإلهام والدافع الذي شجَّعني على الاستمرار في التمثيل".
من المعروف أن العالم يحتفل في الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول من كل عام باليوم العالمي لـ "التأتأة" للفت النظر إلى هذا المرض والاطلاع على المحاضرات والبحوث والندوات التي من شأنها أن تقدِّم الفائدة قدر الإمكان.
ولكن ماهي التأتأة، أو كما يطلق عليها كلمة التلعثم؟
عادة ما توصف بأنها "تقطع في نطق الكلمات وبشكل مضطرب" تبدأ في مرحلة الكلام الذي ينطوي على مشكلات متكررة وشديدة في التحدث بشكل طبيعي.
يعرف الطفل المتلعثم ما يريد قوله، ولكنه يجد صعوبة في التحدّث به بشكل سليم، فقد يكرر كلمة أو يطيلها أو يظهر مقطعاً منها.. والتلعثم يصيب جميع الأطفال في مرحلة النمو، ولكن هناك من يتجاوز هذه المرحلة، ومنهم من تسيطر عليه الحالة، فيتجه في كلامه اتجاهاً غير سليم.
وتصيب التأتأة الأطفال إما نتيجة بعض المواقف النفسية السلبية أو لأسباب وراثية.
إن أسباب مرض التأتأة يعود بالأساس للصدمات النفسية التي يتعرَّض إليها الطفل، والتي قد تؤدي إلى خلل في الدماغ والأعصاب، وبالتالي التأثير على المخ الذي يختص جانب منه في النطق.
كذلك تلعب الوراثة دوراً مهماً في هذا المرض، ويمكن أن ينتج عن تشوهات جينية متوارثة.
فالاستعداد الوراثي له دور مهم في الإصابة بالتأتأة، فربما يكون هناك أحد أفراد العائلة مصاب بهذا المرض، وقد يكون من طرف الأم أو الأب، ويرفد ذلك السبب الجيني العوامل البيئية والنفسية.
إن البيئة المحيطة بالطفل بمواقفها السلبية تكون حاضنة للمصابين بمرض التأتأة، بالإضافة إلى تعرضه إلى إساءة انفعالية مقصودة أو غير مقصودة، وخاصة إذا كان هناك استخفاف بكل آرائه وسلوكياته.
فالمعاملة السيئة، وعدم مدارة الطفل، والتقليل من شأنه، كل هذا يعمل على الاستمرار بالتأتأة من خلال ردة فعل الأهل السلبية ومن حولهم حياله أيضاً.
وكذلك تعرض الطفل لصدمة نفسية تزعزع الثقة بنفسه، مما يجعله يخاف من التكلم، وبالتالي الاستمرار بالتلعثم.
ومن اللافت أن من يقوم على رعاية الطفل، نجده من خلال حرصه وقلقه عليه، يصرُّ على تحقيق ما يريده من الطفل، بل ويفرض عليه أن يتكلَّم متناسياً قدرة الطفل المحدودة على المواجهة، ونلمس ذلك أثناء لعبه مع الأطفال.
وكثيراً ما نلاحظ إصرار أولياء الأمور على أطفالهم المصابين بالتأتأة الذين هم في المدرسة على التفوُّق، وإلا سيحل العقاب بهم.
وكذلك يُقال للطفل: عندما يأتي أبوك فسوف نحكي له عن تصرفاتك ليضربك ضرباً شديداً، فالتهديد يدمِّر شخصية الطفل، ويضعف من فرصة شفائه.
كذلك تتأزم الحالة، عندما يعاني الطفل من نطق الأحرف أو الإطالة بمد نطق حرف ما، فيطلب منه والديه وبعنف "تكلَّم هيا".. مما يربك الطفل ويوقعه في دوامة النطق غير السليم.
ولا ننسى إرغام الطفل على عمل ما لا يرغب فيه، مما يسبب له القلق والإزعاج.
وكذلك اتباع أساليب الترهيب وخلق المخاوف للطفل بأنه سيفشل إن لم ينجز ما لديه.
هذا مما يعزز المرض.
فغالباً ما تعكس الأم قلقها وتسقطه على شخصية طفلها لأنه غير متساو مع أقرانه في النطق، فتحاول تقييد حريته منذ الصغر، وخاصة إذا كانت تمارس الصراخ في وجهه.
ومن الأسباب المهمة جداً، عندما يتأتئ الطفل في البداية ربما يكون هنالك تعزيز من البيئة ليتطبع على التأتأة ويبقى ينهج السلوك نفسه أو ربما يعاقب بشدة على التأتأة وتشكل صدمة تربكه في المواقف اللاحقة.
من هنا، فأن على الأهل ألا يتحدَّثوا أمام الطفل بصوت عال، بل عليهم أن يتحدَّثوا ببطء ووضوح عند مخاطبته أو مخاطبة الآخرين في حضوره، إضافة إلى المحافظة على النظر إليه عند التحدث معه.
للمواقف الفعلية الجيدة تشجيع كبير على ضبط نفس الطفل وإعطائه الفرصة في التجربة، وذلك مثلاً: أن يبدأ بقراءة مقطع من كتابه أمام الأهل في البيت، وإعادة هذا مرات عدة، على أن تكون القراءة بصوت عال وبسرعة أيضاً، وخاصة إذا قمنا بترغيب الطفل بأشياء يحبها مثل الشوكولاتة والألعاب بعد كل تقدّم نلمسه.. مما يبث في نفسه الثقة، ويدربه على النطق السليم.
أضف إلى ذلك، يجب عدم عزل الطفل عن المجتمع، بل من المفروض تركه يتواصل مع الناس وخاصة مع الضيوف، كذلك اصطحابه لشراء حاجاته بنفسه، مما يعزز شخصيته، ويجعله أكثر تماسكاً وتجاوز المواقف الحرجة.
ومن المستحسن أن ندفعه إلى توجيه أخيه الأصغر منه.
وكذلك من المهم الابتعاد عن النقد اللاذع، فهذا مما يثبط ثقته بنفسه ويضعف شخصيته.
وأكثر ما يزعجه، مقارنته بالآخرين، لذلك عدم مقارنته بالآخرين، خاصة عندما يطلب منه القيام بأعمال معينة.
أما بالنسبة للأطفال الذين في عمر ما دون الخامسة، فعلينا عدم زجرهم أثناء النطق، فمثل هذا الأمر يصيبهم بالإحباط، ويعزز التلعثم وضعف الشخصية.
وعلى الأهل ألا يصيحوا في وجه طفلهم، بل عليهم أن يكونوا مستمعين له بشكل جيد.
على الأهل، توفير جو هادئ ومناسب للطفل، بحيث يكون مرتاحاً وبعيداً عن العصبية، وألا يعاملوه بتوتُّر وانفعال قدر الإمكان، ويتجنَّبوا مطالبته بأن يتحدَّث بدقة أو بشكل صحيح في كل الأوقات.
ومن الضروري أن يصبروا عليه، كذلك عليهم تحمّل أخطائه في الكلام، وألا يقوموا بتصحيحها له، أو التعليق عليه، فإن فعلوا فسوف يشعر بالإحباط والخجل من الآخرين، فمثلاً: عليك أن تتحدَّث ببطء، على مهلك، خذ وقتك، خذ نفساً عميقاً.. وعدم الإلحاح عليه في التكلُّم أو القراءة بصوت عال عندما يكون غير مترتاح، أو عندما يزداد في التلعثم, وعدم مقاطعته أو إجباره على التحدُّث من جديد، أو إعطائه التنبيهات، أي عليه التفكير قبل التحدُّث.
كما يجب صرف انتباهه إلى شيء آخر عندما يبكي وألا يدعوه يتحدَّث.
ومن المهم أن يتعاون الأهل مع المعالج أو المدرِّب الذي يقوم على علاجه وتدريبه على النطق الصحيح.. وذلك بالحرص على دفعه للاستمرار بالتدريبات المطلوبة بانتظام.
ختاماً نقول: إن أي خلل جسدي يتعرَّض إليه الطفل، يؤثر في شخصيته بشكل سلبي، وللأهل الدور الأكبر في مراعاة هذا الجانب، فعليهم تقبل الأمر وعدم الخجل منه، وعرضه على طبيب نفسي أيضاً، فمثل هذه الحالات تؤثر سلباً على نفس الطفل، وقد تدفعه إلى الانعزال إذا لم يجد
من يأخذ بيده نحو الحلول المريحة له.