محنة الإنتاج الدرامي

منصة 2023/12/05
...

 د. عواطف نعيم  

الدراما واحدة من الوسائل الناجعة والفريدة التي ابتكرها العقل البشري، ليحاكي ما حوله من حيوات تتجلى له، وهو يتحرك في الطبيعة باحثاً، أو مكتشفاً، أو خائفاً، أو فرحاً. الطبيعة بكل ما فيها من تحولات وتكوينات ومسارات وتباعدات وتضادات يدور بينها الإنسان ليصنع وجوده، ويبتكر عيشه، حيث الأمان والعيش الكريم.
الدراما هذا الابتكار الفريد للعقل الخلاق، الذي يبحث عما يجهله أو يمتعه أو يدخل السكينة إلى حياته.. الدراما حياة لأجل تنظيم وتجميل حياة، تطورت ونمت وتناسلت، لتحط رحالها ما بين المسرح والسينما والتلفاز والإذاعة، ولتتسلل إلى الموسيقى واللوحة التشكيلية، وفن النحت، وعالم الرقص والغناء.. هي الدراما نجدها في كل مكان من حولنا وبيننا، فكم من ممثلين عاشوا بيننا من دون أن نعرف، وكم من ممثلين جمّلوا ليالينا ورققوا حياتنا وعرفناهم ومن ثم أحببناهم؟ ويبقى الممثل العراب الأول للدراما والساحر المتفرد في حمل تاجها وعازف لواعجها والمعبر عن تحولاتها، وهو الذي وصفه شكسبير العظيم بخلاصة العصر وضمير الناس. 

ورغم اختلاف المدارس وآليات الاشتغال يبقى الممثل هو الحامل الأول، لكل العلامات والاختلافات والمتضادات لروح الدراما، وما عاد فن التمثيل مع تطور وإزدهار الحياة الفنية والثقافية في الدراما بكل تجلياتها حكرا على أصحاب الموهبة، بل أصبحت الدراسة والتعلم وسيلة مهمة لصقل تلك المواهب، ومنحها الدربة والمهارة وحسن الصنعة لتكون مؤثرة وملفتة وقادرة على إيصال رسائل الفن في التوعية والتنوير والمتعة، فكانت المعاهد وكليات الفنون الجميلة والمؤسسات الفنية والفرق المسرحية ومنظمات المجتمع المدني، والتي تعنى بالمسرح وتجلياته، لا يمكن لمجتمع من المجتمعات في عصرنا الحالي، أن يكون بعيداً عن الفنون الدرامية، فقد أصبحت ضرورة في وجودها ومهمة في مدّ جسورها، ونشر الأفكار والقيم وتأكيد الممارسات الإيجابية، لخلق حياة اجتماعية خالية من العيوب، وبعيدة عن المساوئ والعنف، ومع كل هذه الأهمية لوجود الدراما في حياتنا، فأننا نجد إهمالاً ولامبالاة وتجاوزا على وجود الفنون أو التعامل معها، لأجل ترسيخها، ومنحها حقها في الاحترام والرعاية والدعم، فما زالت المواسم المسرحية متلكئة والخطط 

غائبة والأخوانيات سائدة والفزعة عند العمل عوضا عن التخطيط والدراسة والتنظيم متواجدة من دون رقابة أو متابعة 

أو محاسبة! 

ولعلَّ الضحيَّة الأولى في فوضى الانتاج الفني والثقافي والعمل الارتجالي والاخواني هو الفنان سواء كان كاتباً، أو مخرجاً، أو ممثلاً، أو تقنياً، ولعل أول محنة يواجهها الفنان هي عدد العقبات والمعوقات، التي توضع أمام مشروعه الفني لأجل الازاحة  والاقصاء هي لجان القراءة وأقرار المشاريع، ولجان المشاهدة والمتابعة وهي ذاتها في الدائرة الفنية تتبادل الأدوار والأمكنة وتتسلم تعاليمها من صاحب المنصب بالرفض أو القبول أو التعويق والتسويف. 

وحين يكون هناك إنتاج فلا بد من اشتراك الجوقة، التي تحيط بصاحب المنصب من أن تتشارك 

توزيع الحصص والأرباح، حتى لو كانت النتيجة أن يظهر العرض المسرحي أو التلفازي، أو السينمائي يابساً شاحباً غابت عنه العافية! 

أما عن الأجور التي تمنح، فهي ضئيلة ومضحكة أزاء الجهد المضني والوقت المبذول وطاقة التحمل والصبر، التي يبذلها صاحب المشروع والممثل! فقد تحولت عملية الانتاج الفني من فعل ثقافي وحضاري لبناء أخلاق وتأكيد قيم وبث حياة مليئة بروح التفاؤل والأمل، إلى تجارة ومنفعة وحسابات ربح وخسارة تتقاسمها مجموعة محددة من الأفراد المهيمنين على سبل العمل من مسلسلات تلفازية وبرامج ثقافية ومنوعة ودعائية إلى شركات إنتاج، تدير فضائيات كل بحسب الأجندة، التي توفر له عوامل المردود المادي السخي، وتكفل له تواصل الموسم الدرامي، ودائرة فنية تعوّد أصحابها على العمل، حسب القرب والرضا والحب والكره من صاحب المنصب، وليس على أساس الكفاءة والتميز والتأريخ الفني 

الفاعل! 

أما الفنان والممثل، لا سيما التلفازي فهو مجبر على القبول، بكل ما يعرض عليه من أجور، وإلا تم وضع اسمه في اللائحة السوداء، التي تعني الأبعاد والتعتيم، وغلق منافذ الرزق والانجاز! ولأن التوقف عند حقوق الفنان العراقي المسكوت عنها ضرورة فللحديث تتمة.  


كاتبة ومخرجة مسرحية