د. علاء كريم
كثيراً ما يستهوي المخرج في المسرح هو التجريب والبحث عن الابتكار، وذلك لخلق مساحة مغايرة في بنية النص المسرحي، وأيضا الاقتراب من شكل المسرح الجديد عبر تكثيف الفكرة، والتأكيد على دلالة النص القريب من الهم الحياتي اليومي، لكن بشرط أن يمتلك الكاتب أسلوباً قريباً إلى المنهج التطبيقي.
عديدة هي الأفكار التي يمكن أن يستلهم منها المخرج رؤيته، ويوظف من خلالها ممكنات التركيب الصوري لمشهدية العرض المسرحي.
لكن تبقى فكرة إعادة بعض القراءات وبرؤى إخراجية لمجموعة الإصدارات الأدبية في الرواية والقصة، والتي تخضع الى عدة اعتبارات، مهمة وتعد تجربة مكملة لما سبقها من التجارب، التي تعتمد تجديد الفكرة وتنوع صور الذاكرة التي تحتفظ دائما بكل القراءات، والتي تؤكد العودة إلى المنهج والاعتماد عليه كمرجع لا يمكن أن ينقطع عن الماضي والأفكار القديمة, وهذا قد يتجسد عبر توظيف مجموعة الأجناس الأدبية في المسرح، وأيضا من خلال اعتماد إصدارات مهمة لكتاب وأدباء، استدعوا بوساطة أفكارهم الماضي والحكايات، التي نستذكر من خلالها أحداث ومواقف لها أثر في عملية التلقي في المسرح، كما أن اعتماد هذه الاجناس الأدبية من قبل المخرجين في المسرح تذكرنا بزمن قراءتها، أو يمكن لنا تأويلها وفق ما نشعر به عند مشاهدة النص درامياً، وقد دخلت بداية القرن الحالي مجموعة العناصر الدرامية في الأجناس الأدبية، ومنها الرواية والقصة، وأكد في هذا الجانب (هنري جيمس) على ضرورة مسرحة الواقع في الرواية، ورأى أن هذه الطريقة هي ضرورة جمالية حتى تعيش الحدث وكأنه يجري امامك بشكل أجمل من أن تسمع به بعد انتهائه، وقد تقوم هذه التقنية على تقديم الأحداث وتشرك المتلقي بكل لحظة، من أجل تقصي الاحداث، وتحريك التفاعل في عملية تلقي النص المسرحي الذي يعرض على خشبة المسرح.
ومنذ ذلك الوقت دخلت الدراما إلى الجنس الأدبي بشكل واضح، بوصفه مكوناً جمالياً مهيمناً، ظهر نتيجة تفاعل الجنس الأدبي مع البناء الدرامي بشكل جديد نستطيع ان نسميه بالنوع الدرامي أو الأدب الدرامي.
وإذا بحث المخرج في المسرح وحفر في عناوين القصص والروايات، سيتضح له نمط شخصياتها ومسار أحداثها، لاسيما إذا اعتمد الكاتب شخصياته من شريحة اجتماعية تنتمي الى طبقة أو بيئة يعيشها هذا المخرج، وذلك لأن واقعنا غالباً ما يميل إلى الأمكنة المسحوقة في الجانب السردي، والمسكونة بالبؤس والمعاناة، والمجتمعات التي غادرت أرضها قسراً تحت وطأة ضغط الزمن، وهذا أكثر ما يلامس مخيلة القارئ وحتى المتلقي، لأن سرد هذه الاحداث تستجمع الاصوات التي توتر الذاكرة عبر أحداث هذه الاجناس الأدبية.
وايضا يمكن بيان مستوى التداعيات التي من خلالها تظهر تحولات الشخصية وحدود الحدث المطروح، فضلاً عن البيئة ومكامن طبيعتها.
كل هذا يساعد على تأويل الأفعال داخل الرواية والقصة، ورسمها من خلال الصور المشهدية في العرض المسرحي.
ويؤكد ذلك القول (رولان بارت)، إن جعل الشخصية عنصراً أساسياً في البناء الروائي، يعتمد على ما يمنحه لها الإطار
النصي.
وتعد الشخصية في الأعمال الفنية فاعلة ومؤثرة، لأنها تمثل معطيات التجربة القصصية وحتى الروائية.
العديد من الأدباء والكتاب العراقيين يتوقفون عند سبب عدم اعتماد المخرج العراقي على الأجناس الادبية، ومنها الرواية والقصة في العروض المسرحية، فالكاتب العراقي الروائي وحتى القاص يمتلك رؤية درامية، ومعالجات فاعلة في مجموعة العناصر، التي تدور داخل حبكة النص الدرامي المتداخل أو المنفصل عن أحداث الرواية، ومن هنا أوجه دعوة لأساتذتنا واصدقائنا في المسرح على تبني هذه النصوص الادبية وتوظيفها وفق ما تستحق، أنا قرأت أغلب هذه النصوص وتوقفت عند تنظيم الإيقاع في بناء الاحداث وحركة الشخصيات وتنوعها، واختلاف موضوعتها، فضلاً عن تجسيد الافعال السايكولوجية والحياتية في المجتمع. وفي إحدى جلسات بيت المسرح في اتحاد الادباء سألني الصديق القاص (عبد الأمير المجر)، لما لم تكن نصوص الأدباء عنصراً من عناصر تكوين العرض المسرحي؟ ولما لم يتحرك المخرج المسرحي في العراق نحو القصة والرواية، ليكون هناك انفتاح على الفضاء الأدبي، وتجسيد مجموعة رؤى الأدباء الابداعية، وهو في الأخير تعاون سيثمر عن نجاحات ابداعية مغايرة؟ سؤال مشروع وأنا بدوري أوجه هذا السؤال إلى المؤسسات المعنية في المسرح، وايضا لمن يهتم في الاشتغال على الرواية والقصة مسرحياً. ومن مجاميع الكاتب "المجر"، (غيلان نشيد المشاحيف) و (ما لا يتبقى للنسيان) و (كتاب الحياة) و(اعراق)، وتصلح هذه المجاميع أن تكون أفلاماً ومسرحيات.. وهناك العديد من الروايات والمجاميع القصصية لعدد كبير من الكتاب في مجال القصة والرواية.