تحديات التضامن مع فلسطين

منصة 2023/12/06
...

 سارة شولمان

 ترجمة: مسلم غالب


التضامن ضرورة وخيال في الوقت نفسه. فالإنسان إذا تعرض للاضطهاد أو العقاب أو الاتهام والتهميش  من قبل الآخرين، يجد نفسه في كثير من الأحيان في وضعية، لا يمكنه تغييرها إلا بمساعدة أطراف ثالثة. إذا تمكن الناس من التغلب على الظلم بأنفسهم، فسوف يفعلون ذلك. ولأن العديد من حالات القمع يتم تصويرها على أنها عادلة وطبيعية، فإن تدخل الطرف الثالث الذي يكشف الهياكل المخفية وثقبها، غالبًا ما يكون في قلب التغيير الإيجابي. فهو يعطل الاتفاقيات التي تبقي عدم المساواة سرية أو مبررة ومستمرة. وفي الوقت نفسه، يعتبر التضامن أسلوب حياة غير منتظم ولا يمكن التنبؤ به. 

إن كونك الشخص الذي يقدم التضامن هو كشف دائم عن أوجه القصور والفعالية والتحيزات والقدرة أو عدم القدرة على التغيير، وسجل صارخ من المحاولات المتعمدة للعمل على جانبي الشارع: أي تحقيق المساواة في وصول أولئك الذين ولدوا بأقل من ذلك، مع عدم تخريب قدرة الفرد على الازدهار في ساحة لعب غير متكافئة بشكل فظيع. 

إن مسألة النقلة النوعية تقع في قلب التضامن الفلسطيني. من ناحية، لم يسبق لي أن شهدت أي حركة كانت موضع ترحيب كبير من الجميع مثل هذه القضية. يبحث الفلسطينيون دائمًا عن الدعم، وحسب تجربتي، فإنهم سعداء بالاستماع من أجل العثور عليه. عندما كنت مستشارا لهيئة التدريس في منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)، تم الترحيب بي بحرارة من قبل والد أحد طلابي، وهو عضو في حركة الجهاد الإسلامي، عندما انضممت إليه في مظاهرة لدعم ابن عمه المضرب عن الطعام في أحد سجون إسرائيل. كان يعلم أنني يهودية، وأنا متأكدة من أننا نختلف في الكثير من الأمور، لكن ذلك لم يتعارض مع علاقتنا المثمرة والودية في ما يتعلق بالسجناء السياسيين.

ومن ناحية أخرى، هناك الكثير من الانقسامات في فلسطين، مثل أي مجتمع متعدد الأبعاد. انها ليست هيكلا واحدا. هناك مجموعة واسعة من الفصائل، وأنا أبقى خارج السياسة الفلسطينية الداخلية. وظيفتي هي العمل على تحقيق هدف وضع حد لتمويل حكومة الولايات المتحدة للهيمنة الإسرائيلية  والقمع العنيف للفلسطينيين. وهذا يعني المشاركة في المنظمات المناهضة للصهيونية مثل «الصوت اليهودي من أجل السلام»، وهي مجموعة تضم ثمانية عشر ألف عضو، والتي أعمل في مجلسها الاستشاري. وكذلك يعني التطوع كمستشار لتدريسيي منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، ودعم ومراقبة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. في الخمسة عشر عاما الماضية، منذ أن ألزمت نفسي بهذا التضامن، نمت الحركة الشعبية حول العالم الداعمة لقضية فلسطين. تعد SJP الآن واحدة من أكثر المنظمات السياسية  الجامعية  شيوعًا  في الولايات المتحدة. يعارض الشباب في كل مكان الاحتلال بشكل متزايد. وحتى الكونغرس الأمريكي أصبح لديه الآن تجمع صغير ولكن صوته مرتفع. ومع ذلك، فإن النقلة النوعية  في التغيير بعيدة عنا، والعنف يزداد. 

جرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية مستمرة وصارخة. وأكاذيب وسائل الإعلام الأميركية مستمرة في تحايلها وتبريراتها.  ولا يزال التيار الرئيسي للحكومة حبيس الأساطير والولاءات التي لا أساس لها بغض النظر عن الإنتماء الحزبي. تركز الاحتجاجات الكبيرة في إسرائيل بشكل صارخ على مفهوم «العودة» إلى ديمقراطية كانت لليهود فقط. هذا هو أكبر تحد للتضامن: عندما تتوسع حركتك، ومدى استقامة ونزاهة خطابك وأفعالك، فإنك تستمر في الخسارة دون أن تلوح نهاية في الأفق. هذا هو المكان الذي نواجه فيه تحدي النمو والابتكار والتوسع. على سبيل المثال، صعود المسلمين والمؤيدين لفلسطين إلى الكونغرس يعني أن الناشطين بحاجة إلى المشاركة بشكل أكبر في السياسة الانتخابية. ويصبح الضغط الذي يمارسه مجتمع التضامن الفلسطيني أكثر ضرورة، على الرغم من تكلفته العالية وعائده المنخفض.  مقاومة الهجمات الجامعية على الأشخاص الذين يتحدثون علناً ضد العدوان الإسرائيلي تقع على عاتق مؤسسات قانونية صغيرة مثل مركز فلسطين القانوني ومركز الحقوق الدستورية، الذين يحتاجون إلى دعمنا.  

عدم الخوف من الدفاع عن  فلسطين، حتى عندما يتم اتهامك زورا بمعاداة السامية، ناهيك عن  ما يترتب على ذلك من عواقب على التوظيف، هو عمل شجاع. وتزداد أهمية هذه الإجراءات الملموسة مع اتساع القاعدة الشعبية وتجاهل الأجهزة. نعم، هناك سياسة التكرار عندما يتعلق الأمر بمحاربة ما هو واضح، لكن حركة التضامن مع فلسطين أثبتت أنها حركة شجاعة ومبتكرة، وعينها بوضوح على القوى التي تسبب القمع.

لا يوجد تفسير سهل، والطريق إلى العطاء وطلب التضامن مليء بالألغام وإعادة التقييم. ومع ذلك، في الولايات المتحدة على الأقل، لا شيء يتقدم بدون ائتلاف. والائتلاف أيضاً مليء بالصور المبنية على الأكاذيب  المسوقة. في كثير من الأحيان، تكون الإئتلافات عبارة عن دوائر انتخابية مختلفة تجتمع معًا في لحظات مختلفة، حيث يمكن لمواردها وطاقاتها أن يتردد صداها معًا لخلق استجابة متزامنة أقوى مما تستطيع الأطراف المتنازعة  تحقيقه بمفردها. هذه التشكيلات تتغير دائمًا ونادرا ما تكون  ثابتة أو خالية من التوتر. ومع ذلك، فإن الائتلافات هي الهيكل الوحيد الذي يؤثر على الجهاز الأكبر. إن التصاعد التراكمي  للتضامن هو الذي يخلق النقلة النوعية التي يتطلع إليها الكثير منا من أجل العيش معًا بشكل كامل.

المصدر: موقع بوستون ريفيو