الفشلُ قد يصنعُ عبقرياً

منصة 2023/12/07
...

كانت لدى (ويليام جيمس) مشكلات كثيرة وسيئة حقاً، صحيحٌ أنَّه وُلِدَ في أسرة ثريَّة، لكنَّه عانى منذ ولادته من مشكلات صحيَّة خطيرة: عمى مؤقت في طفولته، ضعفٌ في السمع، وجعٌ دائمٌ بالبطن، وتشنجات حادة في الظهر تبقيه أياماً عاجزاً عن الجلوس والوقوف، ما جعله يمضي وقته في البيت منشعلاً بفنٍ أعجبه: الرسم، فأنتج لوحاتٍ لم يبع منها واحدة!

حين صار ويليام شاباً، أصبح شقيقه الأصغر هنري روائياً مشهوراً، وأخته أليس تكسبُ دخلاً جيداً من كتاباتها، بينما ويليام الشخص الفاشل والكسول وعديم الموهبة بوصف والده، ولأنَّ والده هذا ثريٌّ، فإنَّه استخدم علاقاته وأدخله كليَّة الطب بجامعة هارفارد، محّذراً إياه بأنَّها الفرصة الأخيرة، وإنْ أخفق فإنَّه «سيغسل يديه منه» بالتعبير العراقي.


مؤسس علم النفس

لم تعجبه كليَّة الطب بجامعة هارفارد على الإطلاق، وكان يُمضي وقته كلَّه وهو يشعرُ بأنَّه شخصٌ مزيفٌ وكاذبٌ وغير قادرٍ على التغلب على مشكلاته الصحيَّة، فكيف يمكن له أنْ يأملَ في أنْ تكونَ له قدرة على مساعدة الآخرين في حل مشكلاتهم؟. وبعد جولة له في أحد مراكز الطب النفسي بالجامعة، كتب في يومياته أنَّه أحسَّ نفسه أقرب الى المرضى منه الى الأطباء.

ترك ويليام كليَّة الطب وابتعد عن أبيه ليتجنب غضبه الحارق والتحق ببعثةٍ انثروبولوجيَّة ذاهبة الى غابات الأمازون المطيرة، وهناك بدأت مغامرته

الحقيقيَّة.

كان السفر في ستينيات القرن التاسع عشر من أميركا الى الأمازون شاقاً جداً، عادت بسببها تشنجات ظهره، وصار ضعيفاً هزيلاً بسبب إصابته بمرض الجدري، وأصبح عاجزاً عن الحركة بسبب آلام ظهره، فتركه أفراد البعثة من غير أنْ يعرفَ ماذا يفعل، وعاد لبلاده بعد رحلة طويلة وشاقة استغرقت شهوراً كاد أنْ يموتَ فيها، وأصيب الشاب ويليام باكتئابٍ شديدٍ وبدأ يضع خططاً لإنهاء حياته.

ذات ليلة، جلس الفاشل الخائب ويليام وقرأ محاضرات للفيلسوف (تشارلز بيرس) دفعته الى إجراء تجربة صغيرة، وكتب في يومياته أنَّه سيمضي سنة كاملة يعدُّ نفسه فيها مسؤولاً مئة بالمئة عن كل ما حدث في حياته مهما تكن أسباب ما حدث، وأنَّه سيفعلُ خلال تلك السنة كل ما في وسعه لتغيير ظروفه مهما كان احتمال فشله في ذلك كبيراً، وإذا لم يتحسن شيءٌ فسيكون من الواضح له أنَّه عاجزٌ حقاً وغير قادرٍ على مواجهة الظروف المحيطة به، وسوف ينهي حياته.


ما هي النتيجة؟

 لقد صار ويليام جيمس أب علم النفس الأميركي، وترجمت أعماله لعشرات اللغات، وصار الناس يعدُّونه واحداً من أكثر المثقفين الفلاسفة، وعلماء النفس أثراً ونفوذاً في جيله كله.

فما الحكمة التي نلتقطها من حكاية هذا العبقري الذي تحدى الفشل؟


الحكمة

 لا تقل لطفلك الفاشل (ما تصيرلك جاره)، ولا تشيعوا اليأس في نفوس أطفالكم مهما بدوا لكم أنهم فاشلون، خائبون، وكفّوا - لطفاً - عن ترديد غبارة: (غاسل ايدي منك).

 

ملحوظة

معظم المختصين بالعلوم النفسيَّة، لا يعرفون هذه الحكاية عن (مؤسس علم النفس الأميركي ويليام جيمس) الذي توفي في العام 1910 بعمر 68 سنة ولا يعرفون أنَّه أول من ابتكر مصطلح (البراغماتيَّة –

الذرائعيَّة).