يحيى شاهين {سِي السيَّد} السينما المصريَّة
غفران حداد
عندما نتكلم عن أشهر من قدم شخصية {سي السيد} سيكون أمامنا اسم الفنان الكبير الراحل يحيى شاهين الذي تميز بأدواره الجادة وهيئته الصارمة، إذ تمكن بموهبته الفذة أن يجسد عشرات الأدوار المميزة التي كانت علامة فارقة في تاريخ السينما المصريَّة.
بدأ شغفه في التمثيل منذ أن كان تلميذاً في مدرسة عابدين الابتدائية، وبعد وقت قصير ترأس الفنان الصغير فريق التمثيل في المدرسة، وشاء القدر أن يكون استاذه في فرقة التمثيل الفنان (بشارة واكيم)، الذي شجعه على احتراف التمثيل، ليقدمه في أول عمل فني له في المدرسة مسرحيَّة (مروءة ووفاء)، وفي مسابقة المدارس فازت المسرحية من حيث الأداء بالجائزة الأولى، وأكمل شاهين تعليمه ليحصل على شهادة دبلوم الفنون التطبيقية قسم النسيج، ثم حصل على بكالوريوس في هندسة النسيج. وعلى الرغم من تعيينه في شركة مصر للغزل والنسيج في منطقة المحلة الكبرى، لكن القدر جمعه بالفنان الكبير (إدمون كويما) الذي نسب له أول أدواره المسرحيَّة كممثل محترف، ثم رشحه لاحقاً لأول أدواره السينمائيَّة في فيلم (دنانير، 1940) وكانت مساحة الدور صغيرة، ليمثل ثانية أمام كوكبة الشرق أم كلثوم في فيلم (سلَّامة، 1945) في دور "عبد الرحمن القس" الذي كان العمل فاتحة لأدواره الرومانسيَّة، وهذا العمل هو نقطة تحول في حياته السينمائيَّة بعدما جسد البطولة المطلقة أمام "أم كلثوم".
"السكريَّة"
من روائع السينما المصريَّة كان فيلم (السكريَّة، 1973) المأخوذ عن رواية السكرية، وهي الجزء الثالث من ثلاثية نجيب محفوظ، كتب السيناريو والحوار الكاتب ممدوح الليثي كان "أحمد عبد الجواد" (يحيى شاهين) يعيش في بين القصرين وزوجته "أمينة" (كلثوم) أكبر في السن، وفي أيام الجُمع يتجمع حوله أبناؤه وأحفاده.. الفيلم أصبح علامة مميزة في تاريخ جميع أبطاله (ميرفت أمين، ونور الشريف، زهرة العلا، تحية كاريوكا، محمود المليجي)، وفي مقدمتهم بالتأكيد يحيى شاهين.
الرواية التي كتبها نجيب محفوظ، تتناول سيرة عائلة متوسطة في القاهرة خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى عام 1945، وحين حولها المخرج القدير حسن الإمام سينمائيا أثار العمل شيئا من الجدل حول تشويهها للأصل، حيث إن الفيلم اختزل العمل الأدبي وأجرى الكاتب ممدوح الليثي بعض الاختصارات في الأحداث والشخصيات، حتى تواكب الوسيط السينمائي، ولكن رغم هذه الاختصارات حافظ على فكرة وروحية النص الروائي، ليكون فيلم "السكريَّة" من العلامات المميزة في تأريخ السينما المصريَّة.
"أين عمري"
من الأفلام الرومانسيَّة في مشوار الراحل يحيى شاهين فيلم (أين عمري، 1957) قصة احسان عبد القدوس، سيناريو وحوار "علي الزرقاني" تدور أحداث الفيلم حول "علية" (ماجدة) التلميذة التي تتمنى الاستقلال بحياتها، وتظن أن الزواج سيكون الخلاص لها، لكنها تتزوج من "عزيز" (زكي رستم) وهو رجل يكبرها بأربعين عاماً، فتعيش معه حياة تعيسة بسبب تسلطه وقسوته وغيرته المبالغ فيها، لتمر الأيام وتتعرف على طبيب شاب من عمرها يدعى الدكتور "خالد" (يحيى شاهين) فتقرر الطلاق من "عزيز" وتعيش حياة سعيدة مع "خالد"، الذي يعوضها عن سنوات الكبت والحرمان التي عانت طويلاً منها.
كان فيلم (أين عمري ) للمخرج ضياء الدين، يعتبر من أشهر الأفلام أيضاً في مسيرة الفنانة ماجدة، وقد اختاره النقاد في قائمة أفضل الأفلام السينمائيَّة، ويعتبر من باكورة الأفلام التي قدمتها السينما المصريَّة في عقدي الخمسينيات والستينيات، حيث يعبر عن رغبة الفتاة بالشعور بالاستقلال والحريَّة والساعية للنضوج المبكر.
جانات السينما
منذ منتصف عقد الأربعينيات من القرن المنصرم بدأ اسم يحيى شاهين يلمع ويمثل أنموذجا للبطل الجان، الذي يتسم بالرجولة والشهامة في المواقف، رغم وجود العديد من الممثلين، الذين كانوا يعتبرون من جانات السينما أمثال (محسن فرحان، عماد حمدي، أنور وجدي، أحمد مظهر، رشدي اباظة، كمال الشناوي، عمر الشريف، شكري سرحان)، ومع دخول عقد السبعينيات بدأت مرحلة جديدة من جانات السينما، حيث كانت الوسامة عاملاً أساسياً في تلك المدة لاختيار أبطال الأفلام أمثال (حسين فهمي، محمود عبد العزيز، محمود ياسين، أحمد زكي) والقائمة تطول.
"شيء من العذاب"
من الأفلام المميزة التي أخرجها "صلاح أبو سيف" فيلم (شيء من العذاب، 1969) تدور أحداث الفيلم حول "الهام" (سعاد حسني)، التي تهرب إلى فيلا "بسيدي عبد الرحمن" فتتفاجأ أنها مرسم لأحد الفنانين، وقد هربت بعد قتلها لزوج أمها، الذي حاول اغتصابها، فتقدم "الهام" نفسها لصاحب الفيلا "أحمد خالد" (يحيى شاهين) باسم مستعار "سلوى"، وادّعت أنها كانت في رحلة إلى المدرسة وضلّت الطريق وبالرغم من محاولة "أحمد خالد" طردها من بيته، لكنها توسلت إليه لتنام عنده ليلة واحدة فقط، فيتعاطف معها ووافق.
ذروة الأحداث تبدأ حين يأتي النحات "شريف" حسن يوسف تلميذ الرسام "أحمد خالد"، الذي صدق كذبة "سلوى" في أنها ابنة أخت أستاذه "أحمد خالد" فيتعلق قلبه بها، في الوقت الذي سكن حب "سلوى" قلب "أحمد خالد" أيضا، وتبدأ العلاقة بينهما وتتطور، لكن أحمد يخاف من نفسه أن تسول له الشر، فيطلب منها ترك المنزل، فتحاول سلوى الانتحار، ليطلب "أحمد" من "شريف" انقاذ حياة "سلوى"، ويعترف له بحقيقة الموقف، لتمر الأيام ويرى "شريف" صورة "سلوى" في صفحة الحوادث بإحدى المجلات، فتعترف له "سلوى" بقصتها، فتقرر أن تسلّم نفسها للمحاكمة، فيحكم القضاء ببراءتها، لأنها كانت في حالة الدفاع عن النفس، لتقرر بعدها "سلوى" إخراج الرسام "أحمد خالد" من حياتها، لتعيش حياة سعيدة مع حبيبها "شريف".
الثنائي هند رستم وشاهين
شاركت الفنانة هند رستم الفنان يحيى شاهين 11 فيلما، وجميعها حققوا نجاحات مميزة، معظمها تعرض إلى اليوم عبر الفضائيات العربية، مثل أفلام (أزهار وأشواك، لا أنام، عشاق الليل، نساء في حياتي، الحب الصامت، ثلاث لصوص، تفاحة آدم، رجل وامرأتان، ملكة الليل، عجايب يا زمن).
"رجل بلا قلب"
كان فيلم "رجل بلا قلب" 1960 من الــ 11 فيلما التي شاركت هند رستم بطولتها مع يحيى شاهين. قصه الفيلم تبدا حين يكتشف "جلال" يحيى شاهين أن زوجته تخونه ويقتل عشيقها، ليقرر العيش في بيت بعيد عن الزوجة الخائنة، لتمر الأيام ويجد امرأة مخشى عليها "عايدة" هند رستم فيصحبها إلى منزله لرعايتها حتى تتماثل للشفاء، لكن عايدة تقع في غرام "نبيل" أحمد رمزي، ابن جلال مما يخلق تنافسا بين الأب والابن للتقرب منها، لكن جلال يكتشف لاحقا أنها شقيقة العشيق المقتول، وهي موجودة في حياته ليست بالصدفة، بل لأجل الانتقام والثأر لشقيقها.
كان الفيلم واحداً من ضمن مشوار فني حافل بالإنجازات، وارتبط ظهور يحيى شاهين في السينما بشخصية الرجل ذي القلب القاسي والصارم، خاصة بعدما ظهر بدور "سي السيد" في بين القصرين، لكن هذه الأدوار بعيدة كل البعد عن شخصية شاهين الإنسان، كما يؤكد المقربون منه وزملاؤه الذين عملوا معه، وكيف أنه إنسان يكره العنف، وحنونا، إذ أكد في أحد لقاءاته التلفزيونية أن "حبه الكبير لوالدته جعلت منه إنسانا ينعم بحلة من الهدوء والرومانسيَّة".
الأعمال الدراميَّة
كانت أعماله في الشاشة الصغيرة لا تقل إبداعاً مما قدمه في السينما، وقدم مسلسلات تلفزيونيَّة عدة نالت إعجاب، العائلة المصريَّة والعربيَّة مثل مسلسلات (احببتها ولكن، الأيام، الطاحونة بجزأيها الأول والثاني، وفاء بلا نهاية، شارع المواردي، القضاء في الإسلام) .
مرحلة حزن وعزلة
سي السيد السينما المصرية، الذي ظهر لنا أنه قاهر قلوب النساء، في حياته الشخصية إمرأة تركت حزناً كبيراً في قلبه، وتسببت له في كثير من الأذى النفسي، والدخول في حالة من الإحباط والاكتئاب، وكانت تلك المرأة زوجته الأولى المجرية التي تزوجها يحيى شاهين عام 1959 ، ورغم أنه أنجب منها ابنتين، لكن زواجهما لم يستمر سوى ست سنوات، وانفصلا لاختلاف طباعهما وطريقة حياتهما، لكن طليقته أخذت ابنتيه وسافرت بهما إلى المجر، وحرم شاهين من رؤيه بنتيه وعاش في عزلة كبيرة وحالة اكتئاب عميقة لمدة عامين، فطلب من أقربائه المقربين أن يجدوا له عروساً تتفهم طبيعة عمله الفني، ليقع الاختيار على السيدة "مشيرة عبد المنعم" الذي تزوجها بعد مدة خطبة قصيرة، وتم عقد القران بجو عائلي محدود وأنجب منها ابنته الوحيدة وتدعى "داليا".
عاش شاهين مع زوجته في سعادة كبيرة، لكنها لم تتمكن من أن تنسيه ألم بعده عن ابنتيه حتى وفاته في الثامن عشر من اذار مارس عام 1993، بعد معاناته الطويلة مع مرض القلب، رحل يحيى شاهين وما من ممثل تمكن من أن يملأ فراغه، وما زالت أفلامه خالدة في قلوب محبيه.