علي العقباني
ليست هي المرة الأولى التي نكون فيها أمام موضوعة "الباب" وتمضهراه الفلسفية واللغوية والدرامية، فقد قدمت في المسرح والسينما والقصة أعمال كثيرة تناولته برؤى مختلفة، فلكل ثقافة قصتها مع الأبواب، معتقداً وتقاليد وإبداعاً.. الباب هو حد الفصل بين الخارج والداخل، وبين ما هو معلوم وآمن ومجهول وخفي، وبمجرد أن نفتحه ونقرر الولوج، فإنه سيكون هناك عالمٌ مختلفٌ آخر نجهله، وهنا ثمة كم من الخيال واللعب والطقوس وإجراءات وتفاصيل
العبور.
كل ما سبق يمكن اعتباره مدخلاً للاقتراب من العرض المسرحي، الذي قُدم مؤخراً على خشبة مسرح القباني بدمشق للمخرج المسرحي غسان الدبس، صاحب العديد من الأعمال المسرحية مخرجاً وممثلاً للكبار والأطفال، و"الباب" هو عرضه الجديد الذي من تأليف الكاتب المسرحي السعودي ياسر آل حسن، حيث رأى فيه الدبس أنه نص شديد التعبير عما نعيشه اليوم من ظروف تتلاشى فيها الأحلام حتى لو كانت بسيطة، وعن تعامله مع النص يقول الدبس: لم أتدخل كمخرج بالنص إلا بمقدار ما يتطلّب عملي كمخرج له الحق في تقديم قراءة مختلفة، مع احترام الفكرة الأساسية وعدم خدشها، لذلك لم يبتعد عن النص أثناء العمل على الخشبة ولا حتى في عملية الإعداد له، والتي اقتصرت على تقديم الرؤية البصرية التي تتناسب مع النص وفكرته الأساسية، وأشار إلى تواصله مع الكاتب لأن "الكاتب والمخرج شريكان في تقديم الفكر والرؤية وإيصال العمل الى الناس". بمشاركة مجموعة من الممثلين الشباب "علي عهد إبراهيم، مجد مغامس، حاتم أتمت، رغد سليم، غسان الدبس" يرى المخرج أن النص كان منسجماً مع الظروف المحيطة بنا، والتي تقف عائقاً أمام أحلام الكثير من الشباب، ففكرة الباب والعالم المختبئ خلفه وأسراره الكامنة، يطرح مجموعة من التساؤلات الحياتية والفكرية حول تلك الأحلام المعلقة والهواجس التي تنتاب الشباب، وغيرها من عقبات تحول من دون تحقيقها.
إن مغامرة الدخول خلف عوالم ذلك الباب هي الأهم، فكما خلفه أسرارا فأن أمامه من عوالم الشخصيات أسئلة وهواجس واختلافات، "بازار"، على الجميع خوضه لمعرفة ما خلف الباب، وإن رغبت في البقاء أمامه فذاك خيار وقرار. الدبس لا يغامر في اظهار استعراضات مسرحية تعتمد الإضاءة والابهار، بل يريد إيصال الفكرة بأقل مجهود ممكن من خلال استخدام ديكور بسيط يعتمد على باب مربوط بحبال وأقمشة، وإضاءة ساكنة تتواتر أحياناً عبر تداخل الأحداث والصخب، وكذلك يعتمد على ممثلين شباب حاولوا بطاقاتهم وشغفهم للمسرح إيصال المطلوب من الحالات والارتباكات والمخاطرة والتساؤلات في أداء انفعالي، وقد طعم المخرج عمله ببعض الرقصات التعبيرية التي خلقت جواً مختلفاً، لكنه كرس حالة الترقب والسؤال والعوالم خلف ذاك الباب المتمرس في وسط الخشبة والخارج منه رجل بأشكال مختلفة يعلن عن مزاد للدخول.
فكرة طموح ومهمة كانت تحتاج لبعض الجهد ضمن الإمكانات المسرحية المتاحة للخروج بعرض مسرحي نابض بالحركة والحيوية، لا سيما أن المخرج سعى إلى إبقاء العرض بنهاية مفتوحة على عالم من الأسئلة والاستفسارات حول ماهية الباب وما خلفه قاصداً ماهو أشمل وأكثر إنسانية، ربما يقول لنا "ادخلوا تلك الأبواب وابحثوا عن مفاتيحها، ولا تخافوا فالولوج إلى ذاك العالم وكشفه خير لنا من الوقوف الصمت بذهول أمامه".