كاثرين بورزاك
ترجمة: بهاء سلمان
كان هذا الصيف هو الأكثر سخونة على الإطلاق على الأرض، ومن المتوقع أنْ يكون العام 2023 هو العام الأكثر سخونة، إذ هددت موجات الحر صحة الناس في جميع أنحاء أميركا الشماليَّة وأوروبا وآسيا، كما شهدت كندا أسوأ موسم لحرائق الغابات على الإطلاق، ودمّرت النيران مدينة لاهينا في جزر هاواي. وتعرّضت لوس أنجليس لعاصفة استوائيَّة صيفيَّة لم يسبق لها مثيل، بينما تسببت الأمطار في ليبيا بفيضانات مدمرة خلفت آلاف القتلى والمفقودين؛ ليعدّ هذا الطقس القاسي بمثابة علامة تحذيريَّة على أننا نعيشُ في أزمة مناخيَّة، ودعوة للتحرّك والعمل.
وتعدُّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري السبب الرئيس وراء تغيّر المناخ، ويقول العلماء إنَّه يجب كبح جماحها. ولكنَّ هناك غازاً دفئاً آخر ينبغي التعامل معه: غاز الميثان. قد يكون التصدي لغاز الميثان هو أفضل رهانٍ لوقف ارتفاع درجات الحرارة على المدى القصير، كما يقول "روب جاكسون"، عالم أنظمة الأرض في جامعة ستانفورد، ورئيس مشروع الكربون العالمي، الذي يتتبع انبعاثات الغازات الدفيئة". ويضيف: "الميثان هو أقوى وسيلة لدينا لإبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري على مدى العقود القليلة المقبلة".
يعودُ السبب في هذا الأمر لقصر عمر الميثان نسبياً في الغلاف الجوي، إذ يدوم الميثان نحو 12 عاماً، بينما يمكن لثاني أكسيد الكربون أنْ يظلَّ موجوداً لمئات السنين. وعلى أساس جزيء لكل جزيء، يكون الميثان أكثر فاعليَّة، فعلى مدى فترة 20 عاماً بعد انبعاثه، يمكن لغاز الميثان أنْ يسخنَ الغلاف الجوي بأكثر من 80 ضعفاً مما تؤديه كميَّة ثاني أوكسيد الكربون ذاتها. لدينا بالفعل استراتيجيات لخفض انبعاثات غاز الميثان، من إصلاح تسرّب الغاز الطبيعي، فالميثان يعدُّ المكون الرئيس للغاز الطبيعي، والتخلّص التدريجي من الفحم، لأنَّ عمليات التعدين تطلق غاز الميثان، وتناول كميات أقل من اللحوم ومنتجات الألبان، إذ تتجشأ الأبقار الكثير من غاز الميثان، وكهربة وسائل النقل والأجهزة. وأظهرت الأبحاث أنَّ تنفيذ جميع الاستراتيجيات الحاليَّة لتخفيف انبعاثات غاز الميثان يمكن أنْ يبطئ ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 30 بالمئة على مدى العقد المقبل.
حلولٌ أخرى
لكنَّ بعض علماء المناخ، ومن بينهم جاكسون، يقولون بضرورة المضي إلى أبعد من ذلك. سيكون من الصعب، إنْ لم يكن من المستحيل، التخلّص من العديد من مصادر الميثان. يتضمّن ذلك بعض الانبعاثات التي يسببها الإنسان، مثل تلك التي تنتجها حقول الأرز وتربية الماشية، على الرغم من وجود ممارسات لتقليل هذه الانبعاثات. وتستعدُّ بعض المصادر الطبيعيَّة لإطلاق المزيد من غاز الميثان مع ارتفاع درجة حرارة العالم؛ كما أنَّ هناك دلائل تشير الى إطلاق الأراضي الرطبة الاستوائيَّة بالفعل مزيداً من الميثان ضمن الغلاف الجوي، ويمكن أنْ يؤدي الاحترار السريع في القطب الشمالي إلى تحويل التربة الصقيعيَّة إلى نقطة ساخنة للميكروبات المنتجة للميثان، وإطلاق قنبلة من الميثان المخزّن في التربة المتجمدة
حالياً. لذلك، يريد العلماء تطوير طرقٍ لإزالة غاز الميثان مباشرة من الهواء. ويوجد ثلاثة مليارات طن متري من غاز الميثان في الغلاف الجوي اليوم أكثر مما كان عليه في عصور ما قبل الصناعة. ويقول جاكسون إنَّ إزالة هذا الميثان الزائد من شأنه أنْ يبرّد الكوكب بمقدار نصف درجة
مئويَّة.
دراسات قيد العمل
لا تزال معظم الأفكار في مراحل البحث المبكرة؛ وتقوم الأكاديميات الوطنيَّة للعلوم والهندسة والطب حالياً بدراسة هذه التقنيات المحتملة، وحالة استعدادها والمخاطر المحتملة، وما هي الحاجة إلى مزيدٍ من البحث والتمويل. وتشمل بعض الأساليب إعادة هندسة البكتيريا التي هي بالفعل محترفة في استهلاك الميثان وتطوير المفاعلات التحفيزيَّة لوضعها في فتحات مناجم الفحم وغيرها من الأماكن الغنيَّة بالميثان لتحويل الغاز كيميائياً.
وتقول "ديزيريه بلاتا"، المهندسة المدنيَّة والبيئيَّة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "الميثان هو سباق سريع، وثاني أوكسيد الكربون هو سباق الماراثون". وبالنسبة للعلماء الذين يركّزون على إزالة الغازات الدفيئة، فالأمر متروكٌ لسرعة تطبيق بحوثهم.
يتحلل الميثان، CH4، بسهولة في الغلاف الجوي، مع وفرة أشعة الشمس وجذور الهيدروكسيل شديدة التفاعل. لكنَّ القصة مختلفة عندما يحاول الكيميائيون العمل مع الجزيء، فروابط الكربون والهيدروجين الأربعة للميثان قويَّة ومستقرة. حالياً، يجب على الكيميائيين تعريض الغاز لدرجات حرارة وضغوطٍ عالية للغاية لأجل تفكيكه.
حتى إيقاف الغاز يعدُّ أمراً صعباً، فبرغم قدرته القويَّة على الاحترار، إلا أنَّه موجود بتركيزات منخفضة في الغلاف الجوي؛ فكل مليون جزيء من الهواء تحوي على جزيئين فقط من الميثان، مقارنة مع جزيئات ثاني اوكسيد الكاربون، حيث تبلغ 400 جزيء لكل مليون جزيء هواء. لذلك، من الصعب الحصول على ما يكفي من الميثان لتخزينه أو تحويله بكفاءة إلى شيء آخر.
ومع ذلك، يستطيع كيميائيو الطبيعة امتصاص الميثان وتحويله حتى في هذه الظروف الصعبة. تستخدم هذه الميكروبات، التي تسمى الميثانوتروف، الإنزيمات لأكل الميثان؛ ويبلغ الامتصاص العالمي الطبيعي للميثان بواسطة الميثانوتروف التي تعيش في التربة نحو 30 مليون طن متري سنوياً. ولنا أنْ نقارن ذلك بما يقارب من 350 مليون طن من غاز الميثان الذي ضخته الأنشطة البشريَّة إلى الغلاف الجوي في العام 2022، وفقاً لوكالة الطاقة
الدوليَّة.
مجلة ساينس نيوز الأميركيَّة