حسن الكعبي
يفترض فرويد في تقسيمه للعقل البشري - أنَّ الإنسان في تكوينه يخضع لصراع ثالوث {الهو، والأنا، والأنا الأعلى}- وهذا الثالوث هو مدار صراع الإنسان الذي قد يؤدي إلى نكوصه أو إلى تساميه في عالم الإبداع والخلاص من اغترابه. ووفقاً لتقسيمات هذا التركيب يفسر فرويد ظاهرة الاغتراب ويرجعها إلى منطقة اللا وعي، من دون أن يكون للعوامل الاجتماعية والثقافية دور محوري فيها.
كما عند (اريك فروم أو ميخائيل باختين) اللذين شككا بهذه الفرضيّة، ووجها لها انتقاداتهما، رغم أهميتها، إلا أنّهما رفضا تداولها ضمن هذا البعد الأحادي الكامن ضمن مفهوم (اللا وعي) من دون الأخذ بالعوامل الخارجيّة التي تحظى بأهمية بالغة عندهما، انطلاقاً من منهجيتهما الماركسيّة التي تتحرك في مجال تفسير الظواهر ضمن العوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. يعرّف فرويد مفهوم (الهو) بأنّه "ذلك القسم من النفس الذي يحوي كل ما هو موروث، وما هو ثابت في تركيب البدن، وما هو غريزي في الطبيعة الإنسانيّة، والهو لا يتبع منطقاً، ولا أخلاقاً، ولا يهتم بالواقع، إنَّهُ يهتم فقط بإشباع الدوافع الغريزيّة تبعاً لمقتضيات مبدأ اللذة، وكل شيء في الهو غامض ولا شعوري". إنَّ الهُوَ في التحليل النفسي كما هو في استعمالات فرويد عبارة عن أحد ثلاثة أقسام للنفس. وقد أراد فرويد بهذا المصطلح الإشارة إلى العقل الباطن (أو العقل اللا واعي)، وإلى القسم المندفع في شخصية الفرد، خاصة في ما يتعلق بالرغبات فضلا عن الاندفاعات العدوانيَّة. وبحسب فرويد، فإنَّ ما يتضمنه الهو يمكن أنْ يكون أوليّاً، أي أنَّ المحتوى ذو منشأ حيوي طبيعي، أي أنَّهُ موجود بالفطرة، كما يمكن أن يكون مكتسباً (ثانوياً). ويعمل الهو وفق مبدأ اللذة وتجنّب الألم، ولا يراعي المنطق والأخلاق والواقع، وهو لا شعوري كلياً. فالهو هو الجزء الأساسي الذي ينشأ عنه فيما بعد الأنا والأنا الأعلى. ويتضمن جزأين: الأول هو جزء فطري من الغرائز الموروثة التي تمد الشخصية بالطاقة بما فيها الأنا والأنا الأعلى. وهناك جزءٌ مكتسب، وهي العمليات العقليّة المكبوتة التي منعها الأنا (الشعور) من الظهور.
وعن مفهوم الأنا يشير إلى "أن الأنا عبارة عن امتداد لعملية تمايز السطح، وفضلاً عن ذلك فإنَّ الأنا يقوم بنقل تأثير العالم الخارجي إلى الهُو وما فيه من نزعات ويحاول أنْ يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر على الهُو ويلعب الإدراك الحسّي في الانا الدور نفسه الذي تلعبه الغريزة في الهو. ويمثل الأنا ما نسميه الحكمة وسلامة العقل، على خلاف الهُو الذي يحوي الانفعالات".
ويُعَرّفُ فرويد الأنا الأعلى بأنَّهُ "ليس مجرد أثر خلفته اختبارات الموضوع المبكرة التي قام بها الهو، ولكنه يمثل تكوين رد فعل قوي ضد هذه الاختيارات. وليست علاقته بالانا قاصرة فقط على اتباع هذا القانون"، ينبغي عليك أنْ تكون كذا وكذا مثل أبيك، ولكنها تشمل أيضا هذا التحريم "لا يجب عليك أنْ تكون كذا وكذا مثل أبيك، أي لا يجب عليك أن تفعل كل ما يفعل، فهناك أشياء كثيرة تعتبر من حقوقه الخاصة".
بمعنى أنَّ الأنا المثالي يقوم بدور الضمير في كبت الرغبات التي يريدها الهو ومن هنا ينشأ الصراع بين الرغبة والكبت التي تولد حالة الاغتراب النفسي، ومن هذا المنطلق النظري أخضع فرويد تحليله للظواهر سواء كانت اجتماعية أم فنية وفي السياق الاجتماعي الحضاري يرى فرويد بأنَّ الإنسان عدو الحضارة.
خلاصة القول إنَّ نموذج النفس البشرية عند فرويد تنقسم إلى (الهو والأنا والأنا العليا) حيث يمثل الهو الرغبات والدوافع الشهوانيّة. ويكون الهو في مرحلة الطفولة الدافع لدى الطفل إلى الحصول على حاجاته الأساسية. وعند البلوغ، تتكون الأنا بشكل واضح وتنضج، حيث تعتمد الأنا على مبدأ الحقيقة أي الانتقال من مرحلة الغريزة إلى مرحلة النضج والرؤية والحقيقة.. وتكون الأنا العليا ممثلة للمعارف والمنطق والأخلاق التي اكتسبها الإنسان في حياته، وبذلك فإنَّ فرويد يُقَدّمُ فهماً وضعياً لمحتوى اللاشعور حيث يَعُدُّ: أنَّ نسق اللا شعور يستمد معظم محتواه من عقدة أوديب وملحقاتها. لكن إجمالاً نستطيع القول حسب العقيدة الفرويدية كما يقول، ميخائيل باختين: إنَّ ما هو أساسي وعميق في لا شعورنا يصدر عن غرائز طفوليّة ذات طابع جنسي، وغرائز "الأنا" التي يجب اعتبارها وحدها هنا هي الغرائز المسمّاة عدوانيَّة، التي يمنحها الجهاز النفسي الطفلي و "كل شيء مباح" الخاص بها". في سياق هذا المنطق في تقسيم النفس وارتباطه باللا شعور حسب فرويد فقد نتج خلاف منهجي في تعريف اللا شعور وتحديد ماهيته. فهو بالنسبة للتحليل النفسي عالم قائم بحد ذاته ويتحكم به الجنس والعمر (مرحلة الإنسان المفرد من تاريخه الشخصي)، وغالباً ما يتحصّن خلف جدارين هما النسيان والإنكار.
لكنَّهُ في علم الاجتماع مجرد عامل أساسي تحول مع الزمن لمرتبة عامل ثانوي، وأمكن تخطيه وحصره وتغييبه. ولإعادة الاعتبار له يجب المرور من خلال القطاعات الواعية في النفس البشريَّة كالشعور، وبقية أجهزة الرقابة التي فرضها نظام المعرفة والإيديولوجيا التي تمثل الجانب التاريخي من الذات.
وبتعبير أوضح لا بدَّ كي يستكمل الإنسان الغاية من تكوينه البيولوجي أنْ يبحث عن غاية خارجه وهو ما يسميه باختين "الذات الفاعلة لنفسها".