الأمان في الحياة

اسرة ومجتمع 2023/12/17
...

غيداء البياتي

هنالك دور محوري للإحساس بالخوف في العصور القديمة، عندما كان الإنسان يشعر أن الموت يحيطه بانتظام من كل حدبٍ وصوب، فهو كان يواجه أنواعا مختلفة من الحيوانات المفترسة، كونها تهدد الحياة مباشرة، اما اليوم فلا يخشى الإنسان من الأشياء التي كان يخافها أسلافه، لكنه بدأ يرتعب من أمور مختلفة، تتفاوت بين ما تهدد الحياة مباشرة وبين تلك التي تهدد يومه، كأن تقتل وقته بالوقوف في زحام الطرقات، ومخاوف أخرى تهدد مستقبل العائلة، منها أمور اقتصادية وربما اجتماعية، ولا يمكن نسيان الخوف من المستقبل المجهول، وعلى الرغم من اختلاف تلك المخاطر، فإن ردة فعل الإنسان المعاصر الشديدة حول الخوف، هي نفسها التي كان يتخذها الإنسان البدائي، لكن الفرق يكمن في أن الخوف قديما، كان من صنع الطبيعة، أما مخاوف اليوم فهي من صنع الإنسان نفسه.
على أية حال؛ بما أننا الشعب الوحيد على وجه الكرة الأرضية، الذي لا يحلو له مزاج يوم كامل دون أن يشعر بالخوف، ربما من انقطاع التيار الكهربائي أو حدوث عطب في مولد كهرباء المنطقة، أو مواجهة أشخاص يمتازون بالعدوانية، وغيرها المئات من المخاوف التي يحملها المواطن بذاكرته، وبما أني مواطنة عراقية، تذكرت يوم نكد وشؤم في تأريخي الشخصي، حين رأيت طفلا وفتاتين بعمر متوسط، وهم يتعرضون للضرب المبرح من صاحب محال لبيع المواد الغذائية؛ والسبب سرقة علبة لحم مستوردة والقليل من الحلويات؛ في الواقع كانت وجوههم شاحبة دليل الجوع والعطش.
 يارب العزة ماذا أفعل، وفي لحظة شجاعة أو وهم أوقفت تلك المهزلة، ودفعت عنهم فاتورة ما اشتهته أعينهم لملء بطونهم، الغريب أن الثلاثة كانوا يأكلون وهم خائفون ويتلفتون، بالرغم من أن الطعام حلال وليس مسروقا.. يبدو أنهم اعتادوا الحصول على لقمة العيش بصعوبة، وانه لا توجد لقمة تأتي سهلة، هذا الموقف جعلني أدرك أن من الصعب أن تجعل أي شخص يطمئن بعد أن عاش طوال حياته في خطر وخوف.
وبقي حال المارة يتساءل هل مات الأمان بدواخلنا فعلا، أم أن ثمة من يقول «ما زالت الدنيا بخير»، وما زال في هذه الحياة متسعٌ للأمان؟.