أعياد الكريسماس والميلاد.. فرصة للفرح والاحتفال

ريبورتاج 2023/12/24
...

   عباس رضا الموسوي 

أعتقد أن أعياد (الكريسماس والميلاد) هي أكثر الأعياد شهرة بين شعوب العالم، إذ باتت هذه المناسبات المسيحيَّة مناسبة يحتفي بها أغلب سكان الأرض من دون الرجوع الى الدين أو القوميَّة، الأمر الذي زاد من شهرتها وجعلها محط أنظار البشريَّة، لا سيما أنهما يقعان في فترة متقاربة من شهر كانون الأول، ويحملان تقاليد وطقوساً متشابهة تتمثلُ بالغناء والرقص والموسيقى، واحتساء النبيذ والخمور وإعداد الولائم وتقديم الهدايا وغيرها من مظاهر الفرح والبهجة.


تاريخ الكريسماس

اختلف المؤرخون في فجاج الأرض بشأن تحديد التاريخ الحقيقي للكريسماس، إذ يذهب البعض الى أنَّه تأتى تخليداً لولادة النبي عيسى بن مريم "ع"، بينما يذهبُ البعض الآخر الى أبعد من ذلك، إذ يرون أنَّه أحد أهم الأعياد القديمة الذي كان الناس يحتفلون به قبل ولادة المسيح بأزمنة بعيدة (عيد يول) الذي يعدُّ من الأعياد الوثنيَّة التي سبقت ولادة السيد المسيح أو الشريعة المسيحيَّة، إذ تقوم القبائل الأوروبيَّة آنذاك بتقديم القرابين للإله وسط أجواءٍ احتفاليَّة وطقوسٍ دينيَّة وثنيَّة، تتميز بالإكثار من إشعال النار والرقص والغناء وشرب الخمور، ورفع جميع المحظورات الاجتماعيَّة تقريباً.

كما أنَّ البعض من المؤرخين يجدون أوجه تشابهٍ بين الكريسماس، وعيد (ساتورناليا) الذي كان الرومان يحتفلون به في قديم الزمان، ومدته يومٌ واحدٌ قبل أنْ يتحولَ الى سبعة أيام في ما بعد، ويقام تقريباً بالموعد ذاته الذي يصادف عيد الكريسماس حالياً، وغيرها من أعيادٍ قديمة لها صلة بالديانات أو المعتقدات أو تقترب من الطبيعة.


شجرة الميلاد

تعدُّ شجرة الميلاد علامة مضيئة في سماء عيد الكريسماس فبدونها لا تكتمل صورة هذا العيد الذي يأتينا في فصل الشتاء ليكسر حاجز البرد، ويُدْخِل الدفء بيوت الناس أغنياءهم وفقراءهم، ويعتقد أنَّ شجرة الميلاد كانت في الأصل شجرة صنوبر قبل أنْ يسمحَ لغيرها من الأشجار الدخول الى عالم الكريسماس، ويرجع تاريخ شجرة الميلاد الى اتباع الألماني مارتن لوثر الذين يعتقد بعض المؤرخين أنهم أول من احتفل بعيد الشجرة، بينما يرى البعض الآخر من المؤرخين أنَّ وجودها يعودُ للمبشر القديس بونيفاس الذي قدم الى الشعب الألماني والذي كان يعتقد الوثنيَّة آنذاك، ودعاهم للمسيحيَّة فلبوا طلبه ولكنهم احتفظوا بطقسٍ واحدٍ مارسوه منذ القدم يتمثل بالاحتفال بالشجرة التي أضافوا لها في ما بعد بعض الرموز المسيحيَّة مثل النجمة (نجمة بيت لحم) التي ظهرت ليلة ولادة المسيح، بينما يظنُّ البعض أنَّ شجرة الميلاد وجدت نتيجة لعشق الإنسان للطبيعة، وغيرها من أساطير وتكهنات وربما حقائق دوَّنَ منها التاريخ الكثير.


بابا نويل

بعربته التي تجرها الأيائل ولحيته الثلجيَّة ولباسه الأحمر وقبعته الجميلة وجعبته الملونة التي تحتوي على أجمل الهدايا، يفاجئ بابا نويل الأطفال ليلاً ليضع أمام منازل أسرهم الهدايا ليلة الميلاد.

إنَّ شخصيَّة بابا نويل أو سانتا كلوز كما تسميه بعض شعوب أوروبا هو الآخر يعدُّ أحد أبطال الكريسماس، فبدون حضوره تبقى نكهة الفرحة ناقصة خصوصاً عند الأطفال، ويذهب البعض من المؤرخين الى أنَّ بابا نويل هو القديس نيكولاس الذي عاش في بلاد الأناضول المولود سنة ٢٧٠ ميلاديَّة في أسرة دينيَّة فاحشة الثراء، وكان يساعد الآخرين ويعشق وضع هدايا للأطفال في الجوارب المعلقة أمام منازلهم ليلة الميلاد.

وهناك الكثير من المؤرخين الذين يظنون أنَّ شخصيَّة بابا نويل مجرد أسطورة تناقلتها الشعوب، وأضافت لها بعض التعديلات لتصلنا بنسختها الحاليَّة، لا سيما أنَّ الملابس التي يرتديها ذات اللون الأحمر هي دعاية لشركة كوكاكولا في ثلاثينيات القرن الماضي بريشة الرسام الأميركي هادن، وهو آخر تعديلٍ جرى على صورة بابا نويل.


الميلاد المبارك

تختلفُ أحداث قصة ولادة الرسول عيسى بن مريم "ع" التي ذكرها القرآن الكريم، وملخصها أنَّ العذراء مريم فوجئت بنزول الروح (جبرائيل عليه السلام) الذي أخبرها أنَّ الله تعالى أمره ينفخ فيها لتحمل بولدٍ يكون له شأنٌ في العالمين، فاستعاذت بالله قبل أنْ يطمئنُّ له قلبها، وأنَّها عند الولادة انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، لتأخذ المعجزات طريقها منذ ولادته حيث تساقط الرطب عليها، وجرى من تحتها النهر وأمرها الله سبحانه أنْ تصومَ ثلاثة أيام لينوب عنها هذا الطفل الصغير بالتحدث لقومها، وهو في المهد وغيرها من أحداثٍ عظيمة. 

أما أحداث الولادة المباركة التي وردت في الانجيل فإنَّها مختلفة، إذ جاء في الانجيل ما مختصره، أنَّ العذراء عليها السلام كانت مخطوبة من قريبها يوسف النجار وأنَّ (جبرائيل عليه السلام) أخبرها، ومن ثم أخبر يوسف النجار أنَّها ستحمل بطفلٍ يكون نبياً عظيماً، وأنهما خرجا من الناصرة الى بيت لحم وفي الطريق حضرتها الولادة في المغارة لتلد ليلاً على يد امرأة يهوديَّة فأضاء الليل لحظة ولادته، وغيرها من أحداثٍ تلت الولادة المباركة، ومنها زيارة الرعاة الثلاثة له ليلة مولده الشريف.


المجتمع العراقي

ربما كان المجتمع العراقي أقدم الشعوب في المنطقة احتفاءً بعيد الميلاد لأسبابٍ عدة، منها وجود نسبة عالية من المسيحيين من أبناء العراق الذين لهم تاريخهم المديد في الديانة المسيحيَّة بكل طقوسها ومعتقداتها، فضلاً عن وجود روح التسامح الديني الذي زاد من متانة النسيج الاجتماعي لدرجة الاحتفاء بالأعياد الدينيَّة السنويَّة الإسلاميَّة والمسيحيَّة من قبل الجميع إلا ما ندر، وهذه الظاهرة الحضاريَّة تعود نشأتها الى الماضي القديم، إذ تشاطر المجتمع العراقي الأتراح والأفراح التي مرت به لإيمانه المطلق بوحدة المصير، ولطالما لعب الأعداء على وتر التفريق بين أتباع الديانة الإسلاميَّة والمسيحيَّة، غير أنَّهم لم يجنوا غير الفشل الذريع.


نكهة احتفالات فلسطين

إنَّ أهم الاحتفالات التي تقام بمناسبة ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم "ع" هي تلك التي تحتضنها الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة وبالتحديد في مدينة بيت لحم حيث كنيسة المهد التي تعدُّ أقدم الكنائس في العالم؛ كونها شيدت على المغارة التي ولد فيها المسيح "ع" من قبل الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادي.

بينما الاحتفالات التي تقام في فلسطين بهذه المناسبة كانت ومنذ القدم وحتى يومنا هذا لها نكهتها الخاصة؛ لأنها تجمع البشريَّة على اختلاف أديانهم وقومياتهم ويقدم الى هذه الكنيسة ليلة الميلاد الآلاف من الزوار منهم من ينتمون الى أوروبا وأميركا وافريقيا وغيرها من بلدان العالم.

وتتميز احتفالات ليلة الميلاد في بيت لحم بالمسيرات تحت أصوات الطبول لشبان وفتيات يرتدون الألوان الملونة وهم يمرون الى جانب شجرة الميلاد الكبيرة وفي الكنيسة تجتمع الشخصيات الفلسطينيَّة والعربيَّة وأحياناً أجنبيَّة لإحياء ذكرى ميلاد هذا النبي العظيم.


أمورٌ غاية في الغرابة

أما من غرائب الإخاء الإسلامي - المسيحي في فلسطين المحتلة فإنَّ مفاتيح كنيسة القيامة التي صلب فيها عيسى بن مريم "ع" ما زالت ومنذ قرونٍ طويلة في عهدة أسرة فلسطينيَّة مسلمة اسمها (عائلة جودة) وتذهب بعض المصادر الى أنَّ هذه الأسرة تسلمت مفاتيح كنيسة القيامة من صلاح الدين الايوبي، وبقي أفرادها يتناوبون على حمل هذه الأمانة الثقيلة جيلاً بعد جيل، الأمر الذي يدلُّ على روح الإخاء التي تجمع بين مسلمي ومسيحيي الشعب الفلسطيني الشقيق، وأعتقد أنَّ هذه العلاقة بين المكونين لم تنفرد بها دولة فلسطين دون غيرها من الدول العربيَّة ومثال ذلك الإخاء الديني الإسلامي - المسيحي في العراق وسوريا ولبنان وغيرها.