تعافي النشاط الاقتصادي العراقي، هل يعيد دوره؟

اقتصادية 2023/12/25
...

ياسر المتولي

تستند أغلب الدول في علاقاتها الاقتصاديَّة للتقييمات الدوليَّة لاقتصاد بلد بعينه مستهدفة التعاطي معه استناداً إلى متانة اقتصاده هذا بالعرف الدارج.
ومن خلال تتبعنا تقييمات بعثات صندوق النقد الدولي عبر فرق خبرائه نستنتج أنَّ الاقتصاد العراقي بدأ يتعافى رغم تأثير التخفيضات المفروضة على إنتاجه من النفط في النمو الكلي والنتيجة المهمة أنَّ معدلات التّضخُّم قد تراجعت خلال هذا العام.
ومع كلِّ الانتقادات التي وُجِّهت إلى انتهاج الموازنة الثلاثية (إطار قانون موازنة الثلاث سنوات النافذ) ومع احتمال حدوث مخاطر كبيرة على استدامة أوضاع البلد المالية العامة على المدى المتوسط إلّا أنَّ الإصلاحات الهيكلية التي انتهجتها الحكومة تعدّ عوامل بالغة الأهمية في ضمان حماية واستقرار الاقتصاد الكلي.
وإزاء هذه الرؤية فقد تحققت التوقعات بتحقيق النمو بنسبة 5 في المئة خلال العام 2023 الذي أوشك على الانتهاء، صحيح أنَّ تنفيذ الموازنة سيساعد على استمرار النمو غير النفطي في العام المقبل 2024 غير أنَّ هبوطَ الإنتاج النفطي بعد إغلاق خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا، وخفض الإنتاج بناء على طلب مجموعة أوبك+ سوف يعملان معاً على خفض نمو الناتج المحلي الكلي في العامين 2023 و2024. وقد تراجعت نسبة التّضخُّم عن الذروة التي بلغتها بمقدار 7 في المئة هذا العام والأهم التوقع في استمرار استقراره عند هذه النسبة خلال الأشهر المقبلة.  ولعلَّ السبب بخفض نسب التضخم يعود إلى اتباع البنك المركزي العراقي سياسة نقدية أكثر تشدّداً، والأثر المتأتي من رفع سعر صرف الدينار العراقي، وانخفاض الأسعار العالمية للأغذية، وعودة عمليات تمويل التجارة لطبيعتها مع تحسن الامتثال لإطار مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومن المفيد الإشارة إلى أنَّ اعتماد أُسلوب وضع الموازنة بثلاث سنوات قد يفضي إلى تحسين مستوى التخطيط المالي، واستمرارية تنفيذ المشاريع التنموية على المدى المتوسط. وهو الأمر الأهم.
إلا أنَّ أمام الحكومة تحدياً آخر، إذ إنَّ تأخّر البدء في تنفيذ الموازنة هذا العام، قد يسهم في التحول من فائض كبير تحقّق في العام 2022 إلى عجز أكبر في العام 2024 بما يعكس الأثر السنوي الكامل لإجراءات الموازنة.
مثل التوسع الكبير في المالية العامة، بما في ذلك حدوث زيادة جوهرية في أعداد المنتسبين للقطاع العام والتقاعد، سيرفع نسب الإنفاق العام الذي سوف يشكّل ضغطاً على الأموال.
وفي هذه الحالة يتعين على الحكومة ضمان حماية الاحتياجات بالغة الأهمية وذلك يتم عبر البحث في المزيد من الإيرادات غير النفطية، وحسناً فعلت الحكومة بالانتباه إلى معالجة هذا الجانب بدعم هذه التدابير بالانتقال إلى العمل على وجود شبكة أمان اجتماعي أكثر استهدافاً، وتعمل على توفير حماية أفضل للفئات الهشة.
ومن هنا يبرز الدور الأهم للقطاع الخاص لتحقيق التوازن في تخفيف الضغط على الحكومة من خلال تحفيز التنوُّع الاقتصادي واستحداث فرص العمل بقيادة القطاع الخاص وهو عامل محوريّ في تحقيق النمو وهذا التوجه يحسب للحكومة إذا استمر الدعم للقطاع الخاص لضمان إيجاد فرص متكافئة للقطاع الخاص من خلال إجراء إصلاحات في العمل المصرفي وفي قطاع الكهرباء، وتقليص التّشوُّهات في سوق العمل، والاستمرار في بذل الجهود الرامية إلى تعزيز الحوكمة والحد من انتشار الفساد.
إنَّ تقييم الأداء الحوكمي هذا من قبل الخبرات الدولية سيحتم عليها النهوض بواقع الاقتصاد العراقي وإدامة هذا التعافي ليعيد العراق دوره المحوري بين الاقتصادات الناشئة.