الناخب والنخبة

آراء 2023/12/27
...

طالب سعدون

في كل انتخابات وخاصة البرلمانية بمشاركة هذه الأعداد الكبيرة من الاحزاب والتحالفات عدا الشخصيات، التي تتقدم بقوائم منفردة تحضر في الذهن مقارنة بين العراق والولايات المتحدة على سبيل المثال، ليس في المساحة والنفوس، أو القوة والتأثير، عدا التاريخ، فذلك شأن آخر، وانمَّا في عدد الأحزاب والكيانات السياسية والتحالفات.
وبعد أن تعرف النتيجة يرد سؤال في الذهن طالما يتردد وهو، كم من الاحزاب يكفي لبلد مثل العراق؟
هل يكفيه حزبان، أو ثلاثة، أو أربعة، أو عشرة، أو مئة مثلا؟
وكم وصل عدد الأحزاب في العراق اليوم، عدا منظمات المجتمع المدني؟...
وكيف هي الحال في الولايات المتحدة؟ ولماذا لا يوجد فيها غير حزبين فقط، هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ينفردان بالساحة السياسية، ويتصارعان في الانتخابات، ويتناوبان على الحكم حسب نتائج الانتخابات.
ومن التجربة يتوضح، أنه ليس من شروط الديمقراطية ونجاحها، كثرة الأحزاب، بحيث تصل إلى المئات، والآلاف من منظمات المجتمع المدني والجمعيات مثلا، لأنه لو استمرت الحال على هذا المنوال، ربما يتغير تعريف الوطن ويصبح مجموعة أحزاب، ويصبح من مبادئ الديمقراطية توزيع الاحزاب بين المواطنين بالتساوي، تطبيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية، وعندها يتقدم الحزب على رغيف الخبز، والديمقراطية تسبق البطاقة التموينية عند الشعوب، لكن هل يستقيم ذلك المنطق مع مبادئ الديمقراطية الحقيقية، التي تهدف في مآلها النهائي إلى خدمة المواطن، وانهاء كل المظاهر السلبية التي يعاني منها، والتي تؤثر في حقوقه الإنسانية الاساسية وتقدمه وتعزيز مبادئ الوطنية، وفي مقدمتها اختيار الأصلح في مواقع الخدمة المختلفة، لكي يتطور البلد ويحتل الموقع الذي يناسبه في عالم اليوم؟.
قد يقول قائل إن المرشح للانتخابات في اي دولة يسعى للحكم قطعا، وهذه حقيقة، وليس تجنيا على أحد، ولكن شفيعه في هذا المسعى هو أن الديمقراطية تقر ذلك، وتسمح به، لأنه لم يغتصب الحكم، أو يستحوذ على السلطة بانقلاب عسكري، وانما من خلال أصوات الناخبين، أي بإرادتهم جاء إلى الحكم، حتى وإن كان بإغراءات، وغيرها من وسائل غير مشروعة، فالمواطن في النهاية حر في التصرف بصوته، وهو صاحب القرارالفصل.
 ومن هنا ينبغي أن يعرف المواطن أن الانحراف بالصوت عن الهدف الوطني المطلوب، يخالف مبدأ الحرية المسؤولة ويضر بالوطن كثيرا.
 فصوته في النهاية هو من يقرر في أي اتجاه يسير البلد من خلال اختيار النخبة التي تتصدر المشهد السياسي.
فهو من يتحمل كامل المسؤولية بحسن الاختيار.
وتلك هي غاية الانتخابات وفائدتها.
وتظهر من خلالها قيمة التجارب الديمقراطية والاختلاف بين واحدة وأخرى.
وتظهر قيمة الاختيار مجسّدة في الشارع.
في النظام والبناء والاعمار وعموم حركة الدولة والمجتمع.
باختصار الانتخابات في التجارب الديمقراطية المتطورة تعد رقابة شعبية دورية كل أربع سنوات مثلا.
المواطن يراقب نفسه أولا.
هل ذهب صوته في المرة الماضية لمستحقه؟
وكيف يتجاوز خطأه في الانتخابات الحالية، فيحاسب من خان الامانة واستغل المنصب لأغراض غير وطنية، بدلا من أن يثقل على الأجهزة الرقابية المختصة المهمة بمهمات أخرى أكثر من طاقتها أو يضطر إلى الاحتجاج والاعتراض أو الندم ولكن بعد أن وقع الفاس بالراس كما يقال.
باختصار الناخب يتحمل كامل المسؤولية عما يحصل من سلبيات واخفاقات بعد الانتخابات، وما يحصل في البلاد من تطور أو تراجع هو نتاج صوت الناخب. ومن هنا قالوا: الصوت أمانة فلا تدعه إلا عند من يحفظ الأمانة.