آدم في الوثائق المسماريَّة

ثقافة 2024/01/02
...

  شاكر الغزي


من الأخطاء المعجمية التي ينبغي تصحيحها، هي القول باشتقاق اسم آدم من الأدمة وهي السمرة في اللون، وأن آدم سمي بذلك لأنه كان أسمر البشرة، والصحيح هو العكس تماماً، أي أن الأدمة صارت تعطي معنى السُّمرة أخذاً من آدم الأسمر، والأدمة في أصل اللغة تعني الاتفاق والألفة والموافقة والملائمة، ومن ذلك: آدم بينهما، أي لأم وأصلح وألف ووفق. وكل موافق إدام. ومنه إدام الطعام، والأديم، وهو الجلد المدبوغ، إذ يصير بعد دباغته موافقاً للاستعمال والتشكيل من حيث لدونته ولونه الأحمر. وآدم سمي بذلك لأنه أول كائن بشري متكيّف، موافق لمتطلبات العيش الأرضيّ، وملائم للتكليف السماوي.
وبحسب الوثيقتين التي سنعرض لهما هنا، فأريدو، وهي تل أبو شهرين، بالقرب من الناصرية، هي المدينة التي حكم فيها آدم، وهبطت فيها الملوكية من السماء لأوّل مرّة في التاريخ.
أنشأَت أريدو في حدود الألف الخامس (5000 ــ 4000) قبل الميلاد، وتشير الأدلة الآثارية إلى أنّ مجرى نهر الفرات القديم أو فرعاً منه كان يمرّ بالقرب من أريدو.
وتذكر أسطورة سفر تكوين أريدو أنّها أول مدينة أسَّستها الآلهة لتكون مسكن بهجتهم.
يقول ستيڤن بيرتمان: إن كان الزعم التقليدي بعتاقة المدينة حقيقياً، فستكون أريدو هي أول مدينة على وجه البسيطة.
وقد ورد في الأحاديث أنّ مدة ما بين آدم ونوح عشرة قرون، ومدة ما بين نوح وإبراهيم عشرة قرون، ومدة ما بين إبراهيم وموسى سبعمئة سنة، ومدة ما بين موسى وعيسى ألف وخمسمئة سنة؛ وعلى ذلك يكون نوح قد عاش حوالي عام 3200 ق.م، وهو التأريخ المحدّد في عدّة مصادر لحدوث الطوفان العظيم، ويكون آدم قد عاش حوالي عام 4200 ق.م، وهو تأريخ تذكره بضعة مصادر لكون أريدو مدينة مأهولة بالسكّان.

الوثيقة الأولى: أثبات الملوك السومرية (Sumerian Kings List)
الأثبات جمع ثَبَت، وهو قائمة بأسماء ملوك السلالات الحاكمة في بلاد سومر، وعنونها جامعوها بعنوان (الملوكية)، وبالسومرية (Nam-lugal).
وقد جعلوا حادثة الطوفان (3200 ق.م) الحدّ الفاصل بين عهدين من تاريخ البشرية: عهد ما قبل الطوفان، وعهد ما بعد الطوفان.
والذي يهمنا هنا، هو قائمة ياكوبسن (Jacobsen)، وهي الأكثر شهرة.
أعدّ ترجمتها الآثاري الدنماركي ثوركيلد ياكوبسن اعتماداً على ألواح وكسر عثر عليها في نيپور وأور، تتحدث عن تكوين مدينة أريدو والملوك الثمانية الذي حكموا قبل الطوفان، وأولهم أَلولِيم (Alulim).
تبدأ القائمة بعبارة: (عندما هبطت الملوكية من السماء حلّت في أريدو. في أريدو صار ألوليم ملكاً وحكم ثمانية مسارات).
وهذا يدلّ على أنّ مصدر نظام الحكم الملوكي يكون بتعيين من السماء؛ وهي التي لها الحقّ في أن تفوّض أو تختار نوّاباً تنتدبهم من بين البشر ليكونوا ملوكاً دُنيويين.
وحيث إنّ الملوكية هي التي أُنزلت من السماء ــ وليس الملوك ــ فلم يُعبَد الملوك في العراق القديم بوصفهم آلهةً، بل كان يُنظر إلى الملك كنائب عن الإله. وبعد أن هبطت الملوكية، حلّت في مدينة أريدو قبل الطوفان، ممّا يدلّ على أنّ أقدم معالم الاستيطان في السهل الرسوبي كان في أريدو في عصر العُبيد الأول ــ حسب تسمية طه باقر ــ في حدود الألف الخامس قبل الميلاد.
وأَلولِيم، هو أول ملوك ما قبل الطوفان، وأول ملك معروف في التاريخ، وقد حكم في مدينة أريدو (تلّ أبو شهرين) قرب العُبيد في الناصرية، وحكم مدة 8 سارات، أو 28800 سنة! وهي مدّة خيالية جدّاً، احتسبت على اعتبار أنّ السَّار يساوي 3600 سنة، ولكن بحسب ما نقله د.خزعل الماجدي عن ينو كوك في كتابه (استعادة العالم المفقود)، أنَّ السار قيمته 3600، لكنّ المعدود غير مذكور، وهو ليس بالضرورة سنة، بل لعلّه 3600 يوم؛ فتكون فترة حكم ألوليم، والتي هي 8 سار، تساوي 79 سنة تقريباً. وفي رأيي الشخصيّ، فالسار هو السنة السومرية، وهو 3600 ساعة، وبالتالي ففترة حكم ألوليم، وهي 8 سارات أو سنوات سومرية، تعادل بحسابنا الحالي 3 سنوات و4 أشهر تقريباً.
ولا يعرف معنى اسم أَلولِيم على وجه الدقة، ولكنه على اللفظ المقطعيّ (آلُولِمْ = A-Lu-Lim) يتكون من ثلاثة مقاطع صوتية: آ ــ لُو ــ لِمْ، أو ثلاثة مقاطع صوتية مع اللاحقة (يم) التي قد تشير إلى جمع المذكر أو الجنس الجمعي (آ لُو لُو يِمْ = A-Lu-Lu-im):
المقطع (آ) يعني بصورة أساسية: ماء. ولكنه يأتي بعدّة معانٍ أخرى:
آ (a): ماء، مجرى ماء، قناة؛ منيّ؛ نسل، أب؛ دموع، فيضان.
ويقترح عبد المنعم المحجوب قراءة المقطع (a) كالهمزة المفتوحة في العربية (ءَ) بزمن تصويت متوسّط، بين المدّ المسترسل (آ) وبين القصر أو الوقف.
لُو (lu): وتعني رجل، ذكر. وتكرار هذه الكلمة لُولُو يعني الجمع، أي البشر أو جنس الإنسان.  
ولذلك، فسّره البعض بمعنى: الرجل الخارج من الماء، وفسّره خزعل الماجدي بالرجل القويّ، أو الرجل الذي يعادل ألفاً؛ فالمقطع (A) عنده يعني قوة، والمقطع (Lim) يعني ألفاً!.
وكلاهما تفسير غير دقيق، فمن الواضح أنه يعني ــ بحسب سامي البدري ــ أبو الجنس البشري، أو أبو البشر؛ فكلمة (أَ أو آ) تعني أب، و(لُولِمْ) تعني الإنسان أو الجنس البشري، والكسرة تحت اللام في (لِمْ) تعني أنّ كلمة (لُولِمْ) في حالة جرّ بالإضافة.
ويذكر خزعل الماجدي أن كلمة لُولُو تكتب بالمقاطع السومرية (Lu-ul-lu) وتعني حرفياً: الإنسان الأول أو الإنسان البدائي المتوحش أو الإنسان القديم.
وذكر عبدالمنعم المحجوب أنّ كلمة (Lullu) وردت في أسطورة الطوفان البابلية بمعنى الإنسان الأول الذي خلقته الآلهة، وهي تتكون من مقطعين سومريين (Lu-ulu) أي: الإنسان البعيد (السحيق في الزمن).
وتبعاً لذلك؛ يُعتقد أن ألوليم هو النبيّ آدم المذكور في الكتاب المقدّس والقرآن الكريم، مع الإشارة إلى أنّ أساطير سومرية تذكر بأنَّ أصول ألوليم تعود إلى الجنة (جنة عدن) أو بوصفه الإنسان الذي فقد الخلود.
وللسيد سامي البدري تفسير طريف في معنى اسم آدم، وهو أنه مأخوذ من الكلمة التراثية (آ - دوموزي = A-Dumuzi) بمعنى والد تمّوز، بعد حذف المقطع الأخير (zi)، ومعنى اسم تمّوز هو الشهيد العارف، أو الابن المخلص، أو الشهيد؛ فيكون معنى آدم: أبو هابيل، الذي هو الابن المخلص والشهيد العارف.
الوثيقة الثانية: أسطورة أَداپا (Adapa) البابلية
يرى غير واحد من الباحثين أنّ اسم أَداپا هو صيغة لفظية أخرى لاسم آدم؛ إذ إنَّ من معاني كلمة (أداپا) و(أَدَب) في البابلية: الإنسان. وبحسب طه باقر، فالباحث إيبلنگ ذكر أنّ بحوزته ثبتاً بالعلامات المسمارية ورد فيه لفظ (adaap/b) مرادفاً للإنسان.
وأَداپا رجل من أريدو، خلقه الإله إنكي ليكون الشفيع بين البشر وملاكهم الحارس (أي إلههم إنكي)؛ فأعطاه الحكمة وكلّله بالإدراك والمعرفة.
وصف أَداپا بأنه نقيّ، طاهر اليد، مواظب على الفروض، حكيم لا يستخفّ بقوله أيُّ شخص، وعالم أكثر ذكاءً من الآنونّاكي. وقد تكفَّل بالطعام والماء لأهالي أريدو يومياً؛ فبدونه لا تُنصب مائدة لهم. وفي أحد الأيَّام استدعاه كبير الآلهة آنو إلى السماء العالية لمحاكمته بسبب كسره لجناحي الريح الجنوبية (الشَّرجي)، ولمّا سمع إنكي بذلك، اقترح على أَداپا أن يظهر بشعر أشعث ويلبس ثوب الحداد. ثمّ قال له: يا أداپا ستصعد إلى السماء، إلى حضرة آنو، سيُقدّم لك خبز الموت، فلا تأكل. سيقدّم لك ماء الموت، فلا تشرب. سيُعرض عليك رداء، فالبسه. سيُعرض عليك زيت، فتعطّر به. وعندما صعد أداپا إلى حضرة آنو، صاح به: تعالَ يا أَداپا، لماذا كسرت جناحي الريح الجنوبية؟ فأجاب: كنت اصطاد السمك، فهبّت الريح الجنوبية وأغرقت قاربي؛ فلعنتها. فتوسَّم آنو فيه رجاحة العقل والحكمة؛ فصفح عنه، ووضع الحراسة على أَداپا باعتباره بذرة البشرية، وقدّر لسيادته أن تكون مرموقة للأيّام اللاحقة. ثمّ قرّر أن يقدّم له خبز الحياة، وأن يسقى من ماء الخلود!.
ولكنّ أَداپا التزاماً بوصية إنكي، لم يأكل، ولم يشرب، فقط لبس الرداء وتعطّر بالزيت؛ فضحك آنو، وسأله عن ذلك؛ فأخبره بمشورة إنكي عليه. فضحك وقال له: لأنّك لم تأكل من خبز الحياة، ولم تشرب من ماء الخلود، فلن تنال الحياة الأبدية أيها البشر الناقص المعوجّ. ثمّ أعاده إلى الأرض ليكون سيّداً عليها، وأخبره أنّ مرض بني البشر وموتهم سيكون سبباً في الكثير من تعاستهم.
ويلاحظ أنّ هناك شبهاً واضحاً بين هذه الأسطورة البابلية التي تُسمّي الملك ألولِيم باسم أداپا، وتفترض أنه مُنح الحكمة والمعرفة من أجل القيام بشؤون أريدو رغم أنه فقد الخلود حين لم يأكل من طعام كبير الآلهة آنُو، وبين قصة خروج آدم من الجنة، ولا سيما كونه أذكى من الآنونّاكي، وهم الآلهة الثانوية التي تساعد في إدارة شؤون مدينة أريدو، ولعلّهم يرادفون الملائكة. وقد ارتبط اسم مدينة أريدو بأسطورة أَداپا؛ وإذا ما صحَّ أنّه هو آدم، فهذا يعني أنّ آدم ملك وحكم في مدينة أريدو (تلّ أبو شهرين) في الناصرية، وليس في وادي سرنديب (سيريلانكا) في الهند.