إيثار محسن *
لمؤلفها عقيل إكرام صدرت عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر – القاهرة، رواية "رسائل حب في بيت بغدادي" لسنة 2021 بعدد صفحات 288.
أُخِذ عن الرواية العراقية اهتمامها بالشكل الفني والتجريبي والغرائبي بقصد مواكبة الحداثة بطرح موضوعاتها، وذلك بتشكيل متنها الحكائي بصورة بعيدة عن الحبكة التقليديَّة التي لها بداية ووسط ونهاية، واللجوء إلى الأنواع الأخرى من أشكال المتون، مثل الحبكة العكسيَّة أو السرد الاسترجاعي، وهو ما يبتدئ من نهاية الأحداث رجوعاً إلى البداية، أو استخدام النوع الثالث وهو الانطلاق من المنتصف أو ذروة الحدث ثم التشعّب إلى حيث يشاء الكاتب.
في رواية "رسائل حب في بيت بغدادي"، استخدم الكاتب أكثر من أسلوب سردي، إذ تعددت فضاءات السرد إلى ثلاثة فضاءات، كانت رسائل الحب جسراً عَبر عليه الكاتب والتفَّ فيه حول تلك
الفضاءات.
الفضاء الأول، وهو الأحداث التي دارت في البيت الذي عُثِر فيه على مكتبة مكنوزة داخل أحد جدران بيت قديم تم شراؤه حديثاً، الحبكة في هذا الفضاء عكسيّة حيث سُرِدت الأحداث بصورة فلاش باك عن طريق شخصية (مريم) الابنة نصف العراقيّة – الهولنديّة، في آخر يوم لها في بغداد قبل عودتها
لبلدها هولندا، تداخلت معها أصوات أخرى في السرد، لتغطية حدث العثور على المكتبة، من خلال هذا الفضاء استعرض الكاتب وضع العراق السياسي والاقتصادي، حيث فترة الثمانينيات والتسعينيات، أما البعد الاجتماعي العراقي فكانت له مقارنة في العادات والتقاليد مع ما يوازيه من عادات لدى المجتمع
الهولندي.
الفضاء الثاني، صوت السرد فيه لـِ (عبلة) حيث اتخذ الكاتب تقنية مزدوجة في السرد من خلال كتابة عبلة لرواية، مستعينة بمسودات يقدمها لها والدها سلمان تحكي قصة شرائه المكتبة ممن عثروا عليها، يتبعه عثور سلمان على صورٍ ورسائل مشفرة، كتبت كهوامش وملاحظات على صفحات الكتب القديمة، اتخذ السرد هنا بُعداً ذاتياً، إذ سلّط المؤلف الضوء على الكاتب وشغفه بالكتابة وعشقه لها وأنّها بالنسبة لديه لا تقارن مع أيِّ لذة في الكون فقد كان شغف عبلة بالكتابة ينافس حبّها لخطيبها
أحمد.
الفضاء الثالث، وهو فحوى رواية عبلة وموضوعها وهي قصة الحب التي وصلت على شكل رسائل مشفّرة على صفحات الكتب القديمة، وأبطالها الحبيبان (ماجدة) و (نظام اكرم)، إذ أخذت القصة الحيز الأكبر من الرواية، تحكي الرواية تتبُع والدها سلمان لقصة الحب تلك فضولاً منه لمعرفة شخوصها والوقوف على نهايتها، اضافت الرواية أبعاداً جديدة أبدع الكاتب فيها بوصف مشاعر الحب، فضلاً عن البُعد النفسي الذي ارتكز في نفسيّة ماجدة تلك المرأة المقعدة التي اطفأ الزمن بريقها فبهتت ألوان حياتها وأفُلت إشراقتها بعد أن فقدت حبيبها إلى الأبد.
تمتعت شخوص الرواية بملامح واضحة فكانت ماجدة شخصية مكتئبة متجهمة تميل إلى الانعزال، بعد أن كانت شابة تتمتع بكل صفات التميّز والجمال والثراء، في حين أن عبلة تمتلك روح الدعابة والمرح والفضول والشغف، أما مريم تلك الفتاة التي أخذها الفضول للتعرّف على مجتمعٍ مدها بجذورٍ قويَّة تمتدُّ أسلافه لعمق سحيق بالقدم.
حبكة الرواية
تعددت الفضاءات والأصوات والأزمنة المتفرقة، ناهيك عن قصص الحب المتناثرة في فضاءات السرد لتظهر من خلالها قيم المجتمع العراقي والأحداث التاريخيَّة التي قد لا يعرفها أغلب أبنائنا من الجيل الجديد، أما قصّة حب ماجدة ونظام فكانت قصة غامضة، أخذ الفضول سلمان للبحث عن أبطالها، وهذا ما أكد عليه قوله في الصفحة 86 (.. لم تكن قراءتي هذه المرة للمطالعة فحسب، بل لمعرفة تسلسل احداث صاحب المكتبة وأشياء أخرى عن حياته..) ليكتشف فيما بعد أن نظام أكرم قد قتل بشكلٍ غير متعمّد من قبل قريب ماجدة (ثامر) وقد طلب يدها عدة مرات، لكنّها رفضته، فقد كان حبّه لها أنانيّاً تملكيّاً.
رسالة الرواية
بعبارة واحدة، الفضول المعرفي، عبارة نضع تحتها ما نشاء من خطوط، إن هذه الصفة المهمة التي يتمتع بها الأشخاص المتنورون من العلماء والأدباء والفلاسفة والفنانين والذين قادوا البشريَّة للتقدم العلمي والمعرفي وجعلوا من الحياة أكثر سعادة ورفاهيّة، فلولا الفضول لم يكتشف دارون نظريته في الانتخاب الطبيعي وأصل الأنواع، ولم يؤسس فرويد نظريته في التحليل النفسي، ولم يُبدّد ظلمة ليالينا أديسون بإنارته، ولم يكتشف نيوتن قانون الجاذبيَّة ليعرف أسرار الكواكب والنجوم وعلوم الفلك، إن الفضول المعرفي هو أهم أسباب التقدم في أوروبا وكل الدول المتحضرة، وإنّه من أهم أسباب نشوء الحضارات وتقدمها لأنه معني في البحث عن
الحقيقة...
الحقيقة التي تختفي وراء كل غموض.