سافو التي أحرقت كُتبها بأمر الكنيسة

ثقافة 2024/01/15
...

  وارد بدر السالم

بعد الكاهنة والشاعرة الأكدية أنخيدوانا والفيلسوفة الاسكندرانية هيباتيا، يأتي التاريخ مكتشفاً الشاعرة الإغريقية سافو- صافو كأشهر امرأة في اليونان، وأكثرهن تأثيراً في الرأي العام. شاعرة ومثقفة، ومعلمة موسيقى. ومعارضة سياسية لها رأي في السلطة الحاكمة.وكالعادة لابد أن تتدخل الأسطورة في رسم ملامح الحياة القديمة ورموزها الخاصة والعامة. فهي- الأسطورة- بنت التاريخ القديم، وربما هي أساس السرديات بشكل عام. لذلك، وحتى الآن، فأن أسطرة حياة سافو يقع ضمن هذا الإطار، إذ لا توجد حقيقة أخيرة في حياتها الشخصيّة والشعرية، سوى ما تركته من متناثرات شعرية أفصحت عن اهتمامها بالحب والجمال، وثمة بعض الأقوال عنها قالها أكثر من مئة كاتب في العصر اليوناني القديم. لذلك فالكثير من الغموض يحيط بحياتها. كما في الاتهامات التي لجأ اليها مفسرو شعرها تحت باب التأويل والاستنتاج على أنها تعشق بنات جنسها وتتغزل فيهن.

بعد مطالعتنا للكثير من التحليلات والسرديات التي تابعت أثرها الشخصي، وجدنا في حقيقة الأمر أنها أسّست جمعية نسوية للفتيات تخاطب من خلالها أنوثتهنّ بالشعر والموسيقى والغناء، لذا عندما ترد اسماء أنثوية في قصائدها، فالمصادر التاريخية ترجّح بأنهنّ تلميذاتها ممن يشاركن في الطقوس الموسيقية معها. لهذا تكررت الموضوعات العاطفية في قصائدها مع ذكر أسماء بعض الفتيات. وإذا ما كان التأويل ينصبّ إلى فرضيّة علاقاتها الشاذة مع بنات جنسها، فأنه مجرد تأويل لا يمكن الركون إليه. وهذا يدعو إلى قراءة تاريخها الشخصي الذي ذكره الأقدمون ممن عاصروها، أو ممن تتبعوا الأثر الشعريّ والاجتماعيّ في سلوكها بعد أجيال أدبيّة تاريخيّة. فنجد أنها تزوجت من تاجر ترك لها بعد وفاته ثروة طائلة، فاستثمرتها بإنشاء مدرسة لتعليم الفتيات الشعر والجمال، ومن هنا نشأت الأقاويل حولها من قبل رجال كائدين لموهبتها الشعرية الفذّة. لكن الواقع أنها كانت بعيدة عن الرجال بعد وفاة زوجها، لسبب شخصي، وكانت رعايتها لابنتها الوحيدة سبباً في تكريس حياتها للمرأة، من منطلق الارتقاء ببنات جنسها، عبر تلميذاتها الجميلات: «إن الحبّ لهنّ يهزُّ قلبي، كما تهز الريحُ القوية أشجارَ البلوط».

وما يؤكده الدكتور عبدالغفار مكاوي في كتابه (سافو شاعرة الحب والجمال) من أن أغاني الزفاف اليونانيّة الشعبيّة المسماة أبيثالاميا كانت تحتل «منزلةً مهمةً بين أشعار سافو.. وأهم ما في هذه الأغاني أنها تكشف لنا عن مشاعر سافو نحو تلميذاتها وصاحباتها.. وتصل هذه العلاقة إلى ذروتها عندما تتأهب العذراء لمغادرة بيت سافو إلى عش الزوجية.. من الأغنيات التي تعبر عن الحالة الأولى أغنية مشهورة .. تصف العريس الجالس إلى جانب عروسه في حفل الزفاف:

«يبدو لي شبيهًا بالآلهة،

ذلك الرجل الذي يجلس إلى جانبك «

ويعلل رجاء النقاش: هناك من الباحثين الذي رأوا أن سافو كانت صاحبة لغة شاعريّة، صادقة وهذا هو السبب وراء الحميمية في هذه الأشعار.

وفي عدد من المصادر التاريخيّة والشعريّة يمكن الإشارة إلى أن سافو كانت أول شاعرة عرفها التاريخ في القرن السابع ق.م.(على عكس الكشف القائل بأن أنخيدوانا الأكدية هي أول شاعرة في التاريخ) وبالرغم من نبوغها الشعريّ المبكر (21 سنة) إلا أنها تمكنت من أن تفرض حضورها بثقافتها ووعيها السياسي ومعارضتها للسلطة، حتى أنها نُفيت مرتين. وكانت ذات رأي مُهاب له وزنه بين المجتمع الإغريقي. إلا أن هذا لم يمنعها من أن تكون حاذقة وملهمة ومبتكرة أدبية لوزن شعري في اليونان القديمة سُجل باسمها وهو (الوزن السافوني) وهذا يؤكد بلاغتها وبيانها الشعري الفذ وانغمارها في تفصيلاته الدقيقة. مثلما كانت تتمتع بصوت غنائي جاذب مكّنها من تلحين قصائدها وغنائها (اخترعت قيثارة فيها 21 وترا)

أما شعرياً فقد لفتت الأنظار إلى ثيمتها المكررة، وهي التصاقها بثيمة الحب التي لم تبارحها، خاصة الحب الذي ربطها بـ «آتيس» ومن هنا قرر الباحثون أن هذا العلاقة شاذة بالمفهوم العصري، بعد معاينة الكثير مما أُكتشف لها من قصائد ومقطوعات شعريّة قصيرة، وكلها تخاطب المؤنث الشعريّ، كدلالة على علاقة بين الاثنين، وهذا غير ثابت تاريخياً، إلا أنه محض تكهنات لاسيما وأن الفضاءات الزمنية تُبعدنا عنها كثيراً، بل حتى تاريخ مولدها اختلف الباحثون فيه كثيراً، سوى أن المعروف بأنها ولدت في جزيرة لسبوس اليونانية بين عامي 630 و612 ق.م. وتوفيت عام 570 ق.م. بعد أن عاشت المنفى (إلى صقلية حوالي 600 قبل الميلاد) أما قصائدها التي ضمنتها في تسعة كتب، فلم يُعثر على الكثير منها. لأنها أحرقت بأمر الكنيسة سنة 1073م

قال عنها أفلاطون : سافو هي العاشرة بين ربّات الشّعِر.

المؤرخ سترابون: سافو امرأة فذة عجيبة.

سقراط: أنها شاعرة جميلة. 

صولون الحكيم: أريد أن أحفظ أشعار سافو ثم أموت.

سافو الإغريقية المجهولة كان قد قدمها الدكتور عبد الغفار مكاوي عربياً لأول مرة في كتابه قبل عشرين عاماً وأوْلى اهتمامه بها من المصادر اليونانية القديمة، وثبّت بعض ما عُثر على قصائدها. وما تم اكتشافه عام 1900 في مصر من قصائد لها على ورق البردي، وبات الاهتمام بها موضوعياً وعلى قدر من الأهمية. فإن كانت أول شاعرة في التاريخ، حسب المؤرخين، وإن كانت أنخيدوانا الأكدية هي الأسبق شعرياً، فهذا يُحسب للحضارات القديمة التي تركت لنا الكثير من الآثار الأدبيّة والفنيّة تعيش بيننا إلى هذا اليوم.

بعض من قصاصاتها الشعرية:

(1)

ساحرٌ هو جمالكِ،

يا عروس،

النظراتُ في عينيكِ رقيقة،

الوجه البديع يشع نورًا

كأنما زادهُ الحب جمالًا، 

(2)

تقدَّم نحوي، يا صديق،

وأرنا السحرَ

الذي يطلُّ من عينيك

(3)

والحَمامات تجمَّد قلبهنّ بردًا

وتركنَ أجنحتهنّ تسقط

(4)

لأن الذين أحسنتُ إليهم

تعوّدوا في معظم الأحوال أن يُسيئوا

إليَّ