في النّسويَّة اللاكانيَّة وما بعد اللاكانيَّة

ثقافة 2024/01/17
...

عبد الغفار العطوي



ثمَّة صعوبات جمَّة ستواجه كلَّ من يتصدى لهذا الموضوع (عالم الجندر المهاجر) (1) إذا أراد الحديث عن هذا المصطلح الغريب بما يراه من جانب ثقافي صرف، فعليه أن يعرف الأمور التالية: ما الجندر المهاجر؟ وقبل هذا وذاك ما علاقته بنسوية التحليل النفسي اللاكانية وما بعد اللاكانية المرتبطة بفلسفة عالم النفس الفرنسي جاك لاكان (1901 - 1981) من ناحية ما عرف عنه من نقل نظرية التحليل النفسي من نمطها الفرويدي التقليدي نحو مرحلة جديدة ومتطورة،
 التحليل النفسي يقتصر على دراسة الرغبة، لذا كشف (التحليل النفسي والأدب جان بيلمان- نويل؟) جانباً مهماً منه، وما هي النسوية اللاكانية التي اهتمت بعاملين مهمين: اللغة والثقافة في النسوية الفرنسية تحديداً؟ وما علاقتها بالفرويدية في حد علمنا أنَّ الصلة التي تربط بين فرويد ولاكان في كونهما عالمي نفس عرف التحليل النفسي على يديهما تطوراً واسعاً ونقلة نوعية في ما يتعلق بانعكاس نظرتيهما على ما يسمى نسوية التحليل النفسي في الحركة النسوية تعدى إلى بروز مرحلتين متفاوتتين من تطور الفرويدية نحو ما بعد الفرويدية، واللاكانية نحو ما بعد اللاكانية، اتسمت في مرحلة اللاكانية خاصة في إعادة طرح نظريات لاكان في الذاتية والعلاقات الاجتماعية من منظور النسوية، إذا ما اقترنت تلك الأمور بما بعد النسوية في (الجندر والجندرية وظهور نظرياتها في ما بعد الحداثة) في القرن العشرين شهد التحليل النفسي نقلة نوعية على يد لاكان، ببروز واضح لثقافة مفهوم الجندرية (الجندر) خاصة في حقل علم النفس الاجتماعي للجندر، والاختلاط بالتعريف بين مفهوم النساء والنوع، إلى (فخ المساواة) تأنيث الرجل وتذكير المرأة، ففي كتاب (الجندر الحزين) يتناول فتحي المسكيني الفرق بين المرأة والنساء، في استشكال اللغة في ما تضع العلاقة اللغوية المعجمية والمعنى والدلالة في جذر- المرأة- الأنثى- والنساء) وما تصنعه من تراكيب غير منصفة لكينونة المرأة، فتخرجها من تركيبة رمز المرأة إلى رمز جندر، فاللغة توقظ بالمماحكة المعجمية دلالة (الهجرة) من مفهوم نحوي نحو نوع فقهي في خصومة الدلالة التي تبحث عنها ثقافة الأنثى المفقودة، عن طريق تغييب اللغة لصلات الأنثى بموضعتها الثقافية، فتهاجر نحو نوايا الفقد، والدراسات الجندرية بدورها تطرح أسئلة غير مسبوقة بشأن جنوسة المرأة، فهجرتها كائنة لا محالة وفق تجردها من تعريفات اللغة (الفروق بين الأنثى والنساء) وربما كاد الجدال بين الفرويدية التقليدية وما بعد الفرويدية أن تستقر على ما سماه فرويد (خلاصة التحليل) لولا الانحراف الفلسفي الذي ابتكره لاكان بنظرية التحليل النفسي فقد قدمت اللاكانية التي تطورت في ستينيات القرن الماضي، في ذروة ما بعد الحداثة باعتبارها إعادة قراءة حديثة للأعمال الفرويدية، وتميزت بأنها كانت ترى أنَّ اللاوعي مبني مثل اللغة وأنَّ اللاوعي كذلك هو خطاب الآخر، لذا اهتم لاكان باللغة بشكل منظور وصاخب، فتحولت اللغة من وسيط بين اللاوعي والعالم العلاجي إلى شيء عرف باللاوعي نفسه، جان بيلمان- نويل يكشف أنَّ تطور تلك النظرية في مرحلة اللاكانية من قيامها كقراءة نصية انحدرت من قراءة فرويد في أهم نظرياته (العقدة الأوديبية) إلى قراءة اللغة، فقراءة اللاوعي كما يقرأ الأدب من خلال الذات (سلافوي جيجك كيف نقرأ لاكان الذات الخاملة) وهذه النقلة اللاكانية التي أوجدت نظرية المرأة وعلاقتها بالنظام الرمزي، أسهمت في بروز نسوية لاكانية التي جاءت على إثر تبنيه بعض نظريات فرويد في ما بعد الفرويدية بما تمحورت حول الثالوث الفرويدي (الهوية- انا- الأنا العليا) بإيجاد أنا مثالية من قبل محاولتنا تشكيلها بتعبير لاكان مستقرة طوال حياتنا، وإضافة إلى عدم الإبقاء على نظرية التحليل النفسي وفق علاقة جامدة، ولعل هوس جاك لاكان بعد انتشار نظرياته الغريبة (الكتابات 1966) التي أبرز فيها ولعه باللغة (خاصة وهو يستخدم غرابة اللغة الفرنسية) مما جعل التحليل النفسي ينجذب إلى أسئلة الحركة النسوية الفرنسية التي كانت تسعى إلى إنتاج مفاهيم تتعلق بالحياة الجنسية خاصة بعد تأثرها بتنظير لاكان في وضع الإناث بوصفهن كائنات غير جوهرية، مما أثار غضب ونقمة النسويات، وهاجمته كريستين كامبل في كتابها (جاك لاكان والابستمولوجيا النسوية) 2004، مؤكدة أنَّ كتابه الأول (الكتابات) ظل مرشده في ما يكتب من منشوراته اللاحقة في النقد النسوي، ولم يهتم بالتطورات التالية من عمله، لكن هذا لم يمنع من أن تتكون النسويات في التحليل النفسي اللاكانية التي دارت حول الذات من خلال الخطاب، وقيامهن بالدفاع عن موقع المرأة المتمركز حول اللوغوس باستحقاقهن في اللغة المحايدة والثقافة الأنثوية والذاتية في التجربة الذاتية في الجسد الأنثوي والهويات، وكان من أبرز نسويات اللاكانية، لوسي ايريجاري وجوليا كريستيفا وهيلين سسيكس، وكاترين كليمان، لكن ما بعد اللاكانية، مع أنَّ النشأة الأساسية في هذه النسوية، نقل مناقشات التمركز حول اللوغوس كما سبق في القول التي اهتمت بها ما بعد النسوية، باعتباره ركناً أساسياً في تنظيراته السابقة ما بعد البنيوية، المهم أنَّ ما امتازت به هذه النسوية اللاكانية في قضايا تعلقت بمفهوم الثنائية التي دفعت بالفكر الغربي إلى طريق مغلق، يصل بين اللغة والمعنى، وبين اللغة والثقافة، فتمخض مفهوم (الجندر) من هذا المأزق الميتافيزيقي، فعندما نقول إنَّ هجرة الجندر من موقعه الأصلي، اللغة نحو المعنى، فقد خلقه مهاجراً ما دام مغيباً في (الأنثى المفقودة) محلقاً في فضاء التغييب الذكوري يتأمل الحرية الدلالية التي تجعله باحثاً عن لغة محايدة، وثقافة نشطة لا جنسوية كما تذهب زليخا ابو ريشة في كتابيها (أنثى اللغة ) و(اللغة الغائبة)


1 - الجندر المهاجر يمكننا وصفه بحالة المرأة (الجندر) المغيبة في ثقافتها وحذفها من نوع فقهي إلى معيار لغوي