كارين ماغواير
ترجمة: بهاء سلمان
في أحد الأعوام، وأثناء التحضير لأحد الاختبارات، شاهدت عددا من طلاب الصف الثاني يبكون لأن المادة كانت صعبة للغاية. أخبرتهم ألا يقلقوا وأن يبذلوا قصارى جهدهم، لكنني شعرت بالفزع في داخلي، فقد كنت أعرف أنه بغض النظر عن مدى صعوبة بكائهم، سأجبرهم على الاستمرار. لقد عملت معلمة لمدة خمس سنوات وأحب العمل مع الأطفال، بيد أنني أدركت أنني لا أريد تعليمهم بعد الآن.
وبعد قضاء عدد من السنوات في مراحل الدراسة الأولى من التعليم، تم إدخالي إلى تلاميذ المرحلة الثانية كأوّل تجربة لي في المرحلة الأساسية الأولى. لقد دهشت من مدى اختلاف الدروس ومدى القيمة التي تم وضعها على التقييم. وبقدر ما يتعلّق الأمر بما يهتم به كبار المسؤولين، يجب أن يدور المنهج حول المحتوى التعليمي، الذي من المحتمل أن يكون موجودا في ورقة الاختبار، وكان التعليم المستند إلى اللعب بمثابة ذكرى بعيدة.
تجربة جديدة
كان الأطفال على دراية تامة بالاختبارات التي تلوح في الأفق، على الرغم من جهودي لجعل الفصول الدراسية ممتعة وجذابة، حيث كانوا يسألون باستمرار حينما كنا نجري ورقة تدريب أخرى، ويقارنون نتائج اختباراتهم بنتائج أصدقائهم. اقتربت مني إحدى الأمهات بعد المدرسة، وهي تبكي لأنها كانت قلقة من أن ابنها لن يكون أداؤه جيدا مثل الآخرين في الصف؛ وكان بعض هؤلاء الأطفال لا يزالون في السادسة من العمر فقط.
في العام التالي قبلت دورا في تدريس السنة الأولى؛ وبكل سذاجة إلى حد ما، اعتقدّت أن هذا سيكون التوازن المثالي، وسد الفجوة بين التدفّق الحر في السنوات الأولى والهيكل الرسمي للسنة الثانية. كنت مخطئا بتصوّراتي، فقد بدأت السنة الأولى بمرحلة انتقالية استمرت لمدة أربعة أسابيع. بعد هذا الوقت، كان من المتوقع حضور الأطفال ليوم دراسي بخمس حصص تعليمية، بما في ذلك الوقت المخصص لترك الرحلات والجلوس على الأرض بتوجيه من المعلم، وتنفيذ واجبات على رحلاتهم، التي عادة ما تتضمن الكتابة، ونشاط مع التقييم الذاتي. كمدرّس لهم، كانت وظيفتي هي التأكد من أنهم ينفذون المهام «الغنية بالأدلّة». كنت أشعر بالذعر في كل مرة أراد فيها أحد الأطفال الخروج من مقعده، وأسرع به عندما قضى الكثير من الوقت على السجادة لطرح الأسئلة، وشعرت بالإحباط منهم لأنهم يتصرفون مثل الأطفال.
العديد من الذين تألّقوا في حفل الاستقبال وصفوا أنفسهم فجأة بأنهم «أغبياء» أو «حمقى»، لأنهم وجدوا صعوبة في كتابة جمل طويلة، أو لأنهم عالقون في بضع كلمات في كتاب. وبدأ آخرون يسيئون التصرّف لتجنّب فرض الواجبات عليهم، أو صاروا منعزلين عن البقية؛ فقد أصبح التعلّم بالنسبة لهم مملا ومقيدا وغير طبيعي. كان التدريس في السنة الأولى يتعارض مع كل ما تعلّمته أو آمنت به بشأن التعليم، فقد كان تدميرا للروح. سألت عن أسباب قلة فرص اللعب، وحاولت قصارى جهدي لدمجها حيثما أمكنني ذلك، لكن المحادثات مع الرئيس والنائب بشكل متكرر جعلتني أشعر أنني لا أعرف ماهية «التدريس الحقيقي». قيل لي: «هذا لم يعد حفل استقبال بعد الآن»، والأطفال «بحاجة إلى التعوّد عليه»؛ حيث كان ينظر إلى إلى اللعب كونه مجرّد صرف انتباه الأطفال عن التعلّم الحقيقي.
نتائجُ متقاربة
على العكس من ذلك، هناك أبحاث تشير إلى أن تقديم دروس الرياضيات ومعرفة القراءة والكتابة خلال السنوات الأولى لا يحدث أي فرق في التحصيل الدراسي الطفل في وقت لاحق. وفي بعض الحالات، يمكن أن يكون أمرا ضارا، فقد وجدت الدراسات التي أجريت في نيوزيلندا والتي قارنت بين مجموعتين من الأطفال، إحداها بدأت دروس تعليم القراءة والكتابة في سن الخامسة، والأخرى في سن السابعة، أنه لا يوجد اختلاف في القدرات الذهنية بسن الحادية عشرة. في الواقع، أشارت النتائج إلى أن الأطفال الذين بدؤوا القراءة بعمر أبكر عن ضعف استجابتهم للقراءة والتعلّم، وانخفاض في مستوى فهم النصوص.
في عام 2013، قام 130 خبيرا في التعليم المبكر، بما في ذلك «ديفيد وايتبريد» من جامعة كامبريدج، بتوقيع خطاب عام لدعم تأخير التعليم الرسمي حتى سن السابعة، تماشيا مع دول أوروبية أخرى مثل فنلندا والدنمارك والسويد. يصف وايتبريد اللعب بأنه «أحد أعلى إنجازات الجنس البشري»، معربا عن قلقه بشأن الاتجاه المتزايد «الأبكر هو الأفضل» في التعليم المبكر.
بالنسبة للطفل، اللعب هو عمل جاد ودافعه للتعلّم هو أمر جوهري. وسيعرف الممارس الماهر في السنوات الأولى التعليم متى يتدخل لتوجيه وتوسيع فرصة التعلّم، ولكن أيضا متى يتراجع ويترك الفرصة تتكشف بشكل طبيعي. ولسوء الحظ بالنسبة للأطفال الذين يزدهرون في هذا الوضع، ينتهي الأمر في سن الخامسة، عندما يضطرون إلى التخلي عن غرائزهم الطبيعية للعب لصالح الدروس الرسمية. وذلك قبل أن يبدأ الأطفال في النرويج، على سبيل المثال، الالتحاق بالمدرسة.
الأطفال بطبيعتهم عاطفيون، صاخبون، غير حاسمين، سريعي الانفعال، مشتتين، لا يمكن التنبؤ بهم، ويشعرون بالملل بسهولة، وهذا ما أحبه فيهم وكذلك العديد من زملائي في السنوات الأولى. إنهم ليسوا بالغين صغيرين؛ ولابد أن يمنح المعلمون الحرية لأجل رعاية هذه الشخصيات الفردية، بدلا من محاولة إنشاء ثلاثين روبوتا من شأنه أن يرضي متطلبات وزراء التعليم. ومثلما لا نتوقّع أن يركض الطفل قبل أن يتمكّن من المشي، فلماذا نجعلهم يكتبون قبل أن يتمكنوا من التحدّث؟
صحيفة الغارديان البريطانية