تساؤلات عن جذور نرجسيَّة المثقف العراقيّ وأغصانها
صلاح حسن السيلاوي
ما رأيك بنرجِسيَّة المثقف العراقيّ؟ هل تسير على وفق مسارات إيجابية تستند إلى مفهوم معرفي معين؟ أم أنها تمثل ظاهرة مرضيّة تستشري بالمشهد الإبداعي وتضر بحياته وأهله؟ هل تمثل جزءاً من حياة الثقافة العراقية، وترتكز إلى تاريخها؟ أيمكن أن نعد النرجسيَّة العالية عند بعض المبدعين ردة فعل على الانحطاط المعرفي المحيط بهم اجتماعيا؟ هل وجدت ما يمكن أن تحمده أو تنتقده من نرجسيَّة المبدع العراقي؟ أين ومتى؟ ما رأيك بجذور تلك النرجسيَّة عبر تاريخ الحضارات الرافدينية على مستوى الشخصيّة القديمة إبداعياً وسياسياً؟
مرضٌ صرّحَ به الكثير
القاص إبراهيم سبتي، يرى أن أجمل ما في شخصية المثقف هو تواضعه وقدرته على ما يبدعه وهي رسالته في حياته التي يحاول جاهداً إيصالها إلى الناس. وأن أسوأ ما في شخصيّة المثقف هي نرجسيته الزائدة وتكبره واستعلاؤه على الآخرين.
مشيرا إلى أن النرجسيَّة هي مرض المثقف الذي صرّح به الكثير من الكتاب والأدباء عَلناً ودون وازع من استحياء أو حشمة.
وأن الشخصيّة النرجسيَّة عامة، تشعر بالغرور والغرق في بحور العظمة والمجد والرفعة، ناهيك عن عشق طافح للذات والشعور دائما بأنها لا مثيل لها في محيطها أومن الآخرين على حد سواء.
وأضاف سبتي مبينا: أن المثقف النرجسيّ هو إنسان محبط من الداخل إن كان إبداعياً او اجتماعياً، ولديه شعور ضخم بالنقص في كل مفاصله فيلجأ للتعويض بطريقة سيئة للتعبير عن ذاته، الأمر الذي يجعل من التعامل معه اكثر صعوبة.
إن النهاية الطبيعية حتما ستكون، تركه لوحده يعيش عالمه المتخيل دون ناصر او معين، وإنّه مرض يؤدي بصاحبه أحياناً إلى الاعتقاد بأنّه شخص نادر الوجود وما ينتج عنه لا مثيل له وأن كتاباته على سبيل المثال لا يصل إلى مستواها الإبداعي حسب رأيه اي احد في العالم. مسكين هذا المثقف الذي ينسلخ عن واقعه ويذهب بعيدا نحو المهاوي والدهاليز التي يعتقدها هي مكانه الطبيعي. إنه يبحث بمواقفه او بتصرفاته او بكتاباته عن احترام وتقدير عالي المستوى لأنها تعالج جزءا من الشعور السلبي الذي يمتلكه ويحاول أن يثبت لنفسه مكانة خاصة لكنها لا تأتي ابدا. في واقعنا الثقافي العراقي، لا تمثل النرجسيَّة اية نقطة تحول نحو الامام ابدا، إنها حالة تراجع وللأسف تمثل حالة غير سوية في التدوين الثقافي الذي يسجله التاريخ.
إن النرجسيَّة عند المثقف العراقي، هي داء بدأ يتحول إلى حالة ملازمة للبعض ولا يُعرف إلا بها وهي جزء من السلوك الشخصي. تاريخياً يمكن اعتبار بعض الشعراء قد خاضوا في عالم النرجسيَّة وراحوا يصرّحون علناً بها من خلال اعمالهم الشعرية التي ظلت تحكي تاريخهم الشخصي كما في بعض أشعار المتنبي التي يقول فيها بأن لا أحد يدانيه في المكانة والمستوى وبالتالي فهو الأفضل على طول المدى كما أخبرنا الرجل في شعره. انها حالة من التدوين التي تبين النرجسيَّة بكل وضوح وغير قابلة للتأويل. ارى ان المثقف العراقي الذي يغوص في النرجسيَّة لا يمثل إلا نفسه ولا يكتب التاريخ الثقافيّ العراقي ولا يشترك به، لأنه لا يرى غير نفسه ومكانته التي يفترضها وتعاليه على الآخرين ولا يعلم بأنه يشارك في مدونة الانحطاط والانحدار والتقهقر والهبوط والتي ستصبح بمرور الأيام موضعاً للسخرية والتهكم من قبل الآخرين دائما.
الانحطاط الثقافيّ والسياسيّ
الشاعر رياض الغريب ابتدأ رأيه بالإشارة إلى واحدة من مقولات عالم النفس فرويد وهو يتحدث عن النرجسي فيقول: هو من ينغمس مع الآخرين ويندمج معهم لكنه يعتبرهم أقل منه مستوى. ولفت الغريب إلى أن تفكيك هذه المقولة يصل بنا إلى أن النرجسيّ لا ينحصر في المثقف فقط، وإنما هو شعور بالعظمة احيانا من قبل طاغ أو ناجح أو مشهور في مجال ما كونه ابن بيئته لكنه يعيش هذه الحياة مع الآخرين المحكوم عليه أن يمارس حياته معهم لكنه ينظر لهم باعتبارهم الأفشل والأقل قدرة على الوصول لما وصل اليه هو وهنا تتضخم الأنا وتصبح حالة مؤذية على طرفي المعادلة النرجسي وما يحيط به.
وأضاف الغريب قائلا: في مشهدنا الثقافي تتضخم النرجسيَّة عند الذين تسلط عليهم الأضواء ووسائل الإعلام لهذا يصبح متورما بأناه وقد يكون فاشلا لكن القدر جعله جزاءً من المشهد الثقافي وهذا تزداد عنده النرجسيه حين يكون مع الآخرين وتتحول إلى كره وصناعة الدسائس للاقربين منه والذين أكثر نجاحا وقبولا في الوسط الثقافي.
قد يكون الانحطاط الثقافي والسياسي الذي يحيط بالمثقف سببا لنرجسية المثقف كونه في الضد ويعمل في منطقة انتاج الجمال بينما المحيط ينتج القبح لهذا تزداد نرجسية المثقف وتعالي الذات عنده.
في التفسير الذي يقدمه فوكو لتكوين الذات نجد ان نظاما للحقيقة هو مايوفر الشروط الحقيقية التي تجعل ادراك الذات ممكنا وهذه الشروط تقع خارج الذات إلى حد ما لكن إذا كان النظام المحيط يحاول تدمير ذات المثقف وتهميش دوره في المجتمع
اما مشهدنا الثقافي العربي لا يخلو من النرجسيَّة العاليه وعند كبار الشعراء العرب ان كانوا في العصور القديمة أو الحديثة وخير مثال نرجسية المتنبي وأبو فراس الحمداني والكثير من الأسماء وكانت نرجسية متمردة على واقع محيط ومعاش دفع الشعراء لذواتهم وحبها والتفاخر بها أمام الآخرين، قد تكون النرجسيَّة مرضا مدمرا لذات المثقف وتدفع به للعزلة وعدم الإبداع الحقيقي وبهذا يخسر ذاته وينتهي.
تضخم الأنا وإلغاء الآخر
الشاعر عبدالحسين خلف الدعمي ذهب بإجابته عن أسئلتي إلى أنّ النرجسيَّة موجودة في جميع الثقافات البشرية ولكنها تختلف من بيئة لأخرى وتكاد تكون غير واضحة المعالم في مكان وجلية في مكان آخر ولها امتداد تاريخي متجذر في الثقافة العراقية مشيرا إلى أن الأنا واضحة في أغلب كتب التراث والشعر العربي وبالأخص العراقي كقول المتنبي (لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي وبنفسي فخرتُ لا بجدودي) وكذلك قوله:(انا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ) وقول أبي العلاء المعري: (وإني وأن كنتُ الأخيرَ زمانهُ لآتٍ بما لم تستطعه الاوائلُ) والقارئ يُميِّز بين جنون الأنا والأنا الشمولية المتأتية من نحن والتي تشكل فعلا جميلا ومؤثرا.
وأضاف الدعمي بقوله: وفي السياسة تتجلى لنا نرجسية الحجاج والذي قتلته أخيراً حينما قال: (إن للشيطان طيفا وإن للسلطان سيفا ، إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها واني لصاحبها) فعند الحجاج تضخمت أنا النرجسيَّة حتى انتهت به إلى الجنون وقد قال عنه الخليفة عمر ابن عبد العزيز بعد موته (لو تخابثت الأمم فأتت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج وحده لغلبناهم) فالنرجسي مهما بلغ فهو مذموم مدحور ولو بعد حين ولو أردنا دراسة النرجسيَّة بالشواهد من بطون التاريخ لما استوعبتها القراطيس ولجف المداد ولم نبلغ غايتنا بعد فهي مرض خطير حين يتفشى في خلايا جسد المجتمع تنتشر فيه الانانية والحقد والوصولية والجشع والتباغض والتحاسد والغيرة ومحاولة إلغاء الآخر بأحقر الوسائل لا لشيء سوى إن المستهدف متميز في نتاجه الأدبي أو بنصه الشعري أو عمله المهني أو لأنه عصامي في سلوكه يُشار إليه بالبَنان.
وقال أيضا: اما بالنسبه للجذور التاريخية للنرجسية فيمكن أن نرجعها إلى بدء الخليقة حيث ينبئنا التاريخ قصة الصراع بين (قابيل وهابيل) حيث ظهرت ملامح النرجسيَّة حينما رفض قابيل الزواج من توأم هابيل لأنها أقل جمالاً من زوجة هابيل فلعبت الغيرة دورها فغلت نار الحسد والحقد قلب (قابيل) فقام بقتل اخيه (هابيل) وهو نائم ومنذ ذلك الحين رافقت النرجسيَّة البشر كافة بصورة متباينة بين هذا وذاك بَيد أنها تضخمت لدى الأمراء والملوك والحكام الذين تعاقبوا على حكم رعيتهم بالقهر والحرمان فسخروهم لإنجاز ما نسميه اليوم بـ (العجائب السبع) التي بنيت بسواعد طبقات الشعب الكادحة والمسحوقة والمهانة كما وان أغلب الغزوات والحروب كان من أهم اسبابها الغيرة والتحاسد والتباغض والتفاخر بين فريقين كل منهما يدعي بافضليته على الآخر وهذا ماإنعكس سلبا على ثقافة بلاد سومر فملحمة (جلجامش) والتي تعد من أقدم الأعمال الادبية في بلاد مابين النهرين نرى النرجسيَّة فيها واضحة في البحث عن الخلود ومن خلال ماتقدم نلاحظ أن الأنا قد تضخمت إلى ان اصبحت مرضا وبائيا اصيب به اغلب ابناء جيلنا الحاضر الذي أصبح نرجسياً حد النخاع فكل يبتغي الوصل بليلى بشتى الوسائل لينال مبتغاه من الأنا قائلاً أنا.. أنا وليكن بعدي الطوفان أو (إذا مِتُ ضمآناً فلا نَزَلَ القطرُ) لذلك نرى هذا الانكفاء الواضح في مجمل نشاطاتنا الثقافية لأن الهامش قد تقدم على المتن فتراجعت الثقافة في بلادنا بالرغم من الكم الهائل من الإصدارات والكتب النثرية والشعرية في ظل غياب الرقابة (الفلترة) على ما يُنشر لسهولة النشر على كافة الصُعد فتضخمت الأنا الذاتية عند البعض لشعورهم بأنهم قد بلغوا غاياتهم وما هو إلا وهم اللاوعي لديهم فستنكشف نواياهم ولو بعد حين فهم ضحايا نرجسيتهم التي بانت على سلوكهم المُنَفِرعنهم حتى أقرب الناس اليهم.
بحر من الأزمات الذاتيَّة
الفنان التشكيلي فاضل ضامد، لفت برأيه إلى وجود الشعور بالنرجسيَّة وامتداده بين المجالات الفنية.. وضرب مثلا على ذلك بعدم مشاركة الأدباء للتشكيليين في فعالياتهم والعكس كذلك وأيضا المسرحيين وغيرها من التشكلات الفنيّة.. إلا فيما ندر.
وأضاف ضامد قائلا: الاعتماد على الذات يصب وحده في خنق الوعي لدى المثقف الحاجة ملحة نحو المشاركة ليس هناك خسارة بل هو دعم ثقافي ومعرفي للذات اي للمثقف المنتج..
المثقف العراقي ..غريق في بحر من الأزمات الذاتية والمجتمعية وحتى العالمية.
وكل يحاول النجاة بجلده للخلاص من هذه التوجهات التي تخرب رؤيا المثقف نحو المشاركة والدعم ولذا هو يحاول أن يسير وحده فتظهرعلامات النرجسيَّة واضحة من خلال عدم دعم الآخر ..
في البلاد زاد عدد الشعراء والفنانين والمسرحيين الآن هذه الزيادة أثرت سلبا في كل التشكلات والمجالات الفنية.. منهم براغماتي ومنهم ذاتي (نرجسي) ومنهم فوضوي.
وظهور سلطة وهيمنة على بعض المؤسسات الفنية غير الحكومية وهذه هي في حد ذاتها تبدأ بالعلاقات وعدم الانصاف مع كثيرة من أعمدة الوعي..
المشكلة الاخرى أيضا وزارية او منافذ حكومية لها علاقة بالفنون، هذه الإدارات خلقت شخصيات ذات طابع (انا وما بعدي الطوفان) معتقدا انه يمتلك زمام السلطة وتبدا الاختيارات للمهرجانات والمعارض دعوات خاطئة، ولذلك حدثت اشكالية كبيرة في تغيير نمط او سلوك إدارة المؤسسة في التأثير على الجانب الثقافي وتغيير البوصلة باتجاه بناء مؤسسات ذات طابع حاد وبنّاء.
كل هذا مما ادى إلى ابعاد المثقف المنتج. وايضا كادت بغداد أن تصبح هي وحدها بمثقفيها بعيدا عن المحافظات إلا ما ندر.
الرسالة الفنيّة والأدبيّة هي مشتركة لا يمكن بناء بلد بدون الاثنين فهما العمودان المهمان في بناء حضارة البلد وتقدمه. واذا سلمنا أمرنا للنرجسيّة نكون قد وافقنا سلفا على مبدأ التدمير.
نرجسية تنتهك حقوق المتلقي
الشاعر حاتم عباس بصيلة أشار إلى أنّ النظر للنرجسيَّة على وفق المفهوم الطبيعي، أمر بشري لا يخلو منه انسان، ولكن عندما تتضخم النرجسيَّة ويبالغ صاحبها ينفخ بالون ذاته فإنها بالضرورة تتحول إلى مرض نفسي.
وأضاف بصيلة بقوله: يمكن أن نرى الصورة الايجابية للمثقف حين يكون خلافا مائزا له طقوس إبداعية خاصة تضعه في نرجسية ما لتحقيق الفعل الإبداعي وتدخل في هذا معظم المذاهب الفنيّة بعد الكلاسيكية التي كانت تسحق الذات للمبدع الخلاق.
النرجسيَّة المرضيّة في الثقافة العراقيّة ظاهرة واضحة للمتتبع من خلال السلوكيات المرضية، ذات الأنا المتضخمة التي ترى نفسها فوق الجميع وهذه مشكلة خطيرة أثرت في الثقافة العراقيّة خاصة حين تتسلم الشخصية النرجسيَّة سلطة ثقافية معينة.
يمكن أن تكون النرجسيَّة رد فعل على هوان الحياة الاجتماعية التي يعيش فيها المثقف وهي صدى للحياة السياسية التي دائما تسحق ذات المثقف فيكون رد الفعل إعادة هيبتها بالشمم والكبرياء غير إن هذه النرجسيَّة لا تتعدى حدود اثبات الذات المظلومة او المنتهكة .
الحقيقة لم أجد ما يحمد في نرجسيّة المثقف إلا قليلا فغالب الاحيان تقوم نرجسية المثقف بانتهاك حقوق المتلقي والتعالي عليه في المجتمع العراقي .
اما الجانب الإيجابي يكاد يكون منقرضا لأنها من الناحية الأخلاقية والاجتماعية مرفوضة تماما.
النرجسيَّة في الحضارات طبعا موجودة وقد جسدت تماما بالآلهة العراقية التي اختصت بالخلود بينما الانسان خص بالموت والفناء كما تجلت في الشخصيات القوية تاريخيا والمتسلطة سياسيا وفي العصر الحديث اطلعنا على نماذج كثيرة مثل نيرون الذي أحرق روما وهتلر الذي احتقر الضعفاء ونابليون بأطماعه الاستعمارية وموسوليني وغيرهم.
في الحضارة العربيّة والاسلاميّة حدث مثل هذا في قتل المتصوفة ومنهم الحلاج واضطهاد الفلاسفة مثل ابن رشد وصلب الشعراء المخالفين لحكم الخليفة وقتل الكتاب مثل ابن المقفع صاحب كتاب كليلة ودمنة وكل هؤلاء انما هم مثقفون اولا ومبدعون ثانيا وعلى مستوى الشعر تظهر النرجسيَّة واضحة عند المتنبي واناه المتعالية والجواهري ونزار قباني وقد ترجمها كل بطريقته وقد صدرت دراسة اكاديمية خاصة بعنوان النرجسيَّة في أدب نزار قباني، لكن هذه النرجسيَّة تبررها طقوس الإبداع الخاصة في العملية
الإبداعيّة.
ما دون الظاهرة
الروائي حسن البحار قال: يبقى الطموح والتفكير بالنجاح والتخطيط له تصرف منطقي وهو حق من حقوق الإنسان، كذلك البحث عن النجومية والرفعة والمناصب الاجتماعية العالية، والغنى والنخبوية كلها حاجات طبيعية للبشرية، وهي أساس التنافس وخطوات التقدم إلى النجاح في مضمار المنافسة الشريفة بين الجميع ليظهر لنا عالم او مبدع في مختلف مجالات الحياة، لكن الافراط في حب الأنا المتضخمة التي تتحول دون إدراك أو دراية مقصودة إلى تضخم الذات والظن أن العظمة هي الأمثل، تلك هي (النرجسيَّة) التي صعب على فرويد علاجها بسبب العظمة حين قال -حسب ما أتذكر: (النرجسيَّة شعور بالعظمة والكبرياء وهي إحساس الشخص أنه غير عادي ونادر الوجود ولم يكن بين الخلق من يشبهه).
يبقى النرجسيّ لا يهتم إلا في نفسه ولا يعنيه الأقرب أو الأبعد لذلك هو لا يشعر بابتعاد الناس من حوله بل يحوّل هذا النفور منه إلى أنه الوحيد - بين الجمع- المميز ومن تركه قد غار منه لأنه الأفضل.
في الوسط الثقافي والذي لا يختلف عن باقي الأوساط والأنشطة الإنسانية الاخرى هناك من نجد قد سقط في بئر النرجسة والافراط فيها فيفقد الألق الذي ناله من إبداعه أو نشاطه، لا يمكن أن نعد هذا المرض ظاهرة مرضية أو حالة مستشرية بين المثقفين والكتّاب والأدباء لأنها مازلت قليلة جدا وأكاد اجزم هي مشخصّة من الوسط الثقافي نفسه.
من المؤكد في هبوط المستوى الثقافي وعدم التواضع تبرز لنا هذه النرجسيَّة ولكنها تبتعد من بين الأدباء والكتّاب والمثقفين أصحاب الشخصيات السوية.
اِلتقيت بشخصية نرجسيَّة، ولم أكن اعلم به في البدء أنه مصاب بهذا المرض لكن من الحديث معه صار واضحا أمامي أنه في ازمة مرضية اسمها تضخم الأنا ولا يمكن له الخلاص منها، كذلك اِلتقيت بشخصيّة أخرى فوجدته يحب الأنا لكنه ليس مرض نرجسي بقدر ما هو الثقة العالية بشخصيته وبما يقدمه للمجتمع من إبداع، لذلك أملي كبير في التمسك بالثقة بالنفس والتعامل مع الآخر بالود والمسامحة والمساواة شرط أن يكون الآخر إنسانا لا كثر.