بغداد: غيداء البياتي
تختزن أم محمد (53 ) عاما أجمل الصور وأحلى الذكريات والأحداث في منزلها مع أبنائها الأربعة ووالدهم، وهم يستمتعون بأداء لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم في كأس آسيا وتحقيق الفوز في العام 2007 وخلال كأس الخليج الذي حدث العام الماضي، فقالت بعد أن تنهدت وأخذت نفسا عميقا، وهي تبتسم لفوز العراق على فيتنام خلال ملاقاته في كأس اسيا لهذا العام :» كرة القدم وحدت العراقيين كما أنها استطاعت أن تجمع شمل العائلة من جديد، فأولادي أصروا على مرافقتي الى المقهى القريب من المنزل لمشاهدة المباراة، لأنهم يعتقدون بأني البركة، وبوجودي سيحقق اللاعبون الفوز، لا سيما بعد أن تزينت بارتداء العلم العراقي».
حب العراق هو من يوحدنا اليوم وهو سبب العرس الشعبي، الذي يقام في كل أرجاء العراق هذا ما أكدت عليه أم محمد، وتشير إلى أن هذا التشجيع للمنتخب وتلك الروح الحماسية لدى الشعب العراقي والرغبة في إحراز الفوز، إنما هي نابعة من عمق حسرة هذا الشعب للفرحة من أعماق قلبة بالنصر حتى ولو في لعبة».
سلام المشهداني ( 44) عاما مدرس لمادة اللغة الانكليزية، وعد طلابه بدورة مجانية، اذا فاز المنتخب العراقي على اليابان، هذا ما قاله موضحا:» إن كرة القدم تعزف على الأوتار الحسية للانسان، فهي تجعلنا نشعر بدقات قلبنا في أرجلنا، وكأن اللاعب العراقي يسير على قلوبنا حين يقترب من هدف الخصم خلال المباراة، وهذا الشعور لم يأتِ من فراغ، بل إن وراء تلك الاحاسيس هو «الوطن» وروح المواطنة التي افتقدناها مؤخرا بسبب الحروب المتوالية على بلدنا، والهدف من اعطاء دورة مجانية للطلبة، نتيجة فوز المنتخب على اليابان هو غرس روح المواطنة لدى التلاميذ وتوحيدهم في حب العراق، مستغلا الساحرة المستديرة القريبة لقلوبهم».
المشهداني وصف تجمهر العراقيين وفرحتهم بفوز منتخبهم خلال المباراة قائلا:» ان كرة القدم هو البطل الذي جعل العراقيين كلوحة رسمت بإبداع فنان اطارها الوحدة وعنوانها العراق «.
المهندس المتقاعد من وزارة الكهرباء علي الخزاعي رأى أن كرة القدم استطاعت ان تخطف العائلة بعيدا عن هموم الحياة ومشاغل الدنيا وتعب العمل، وجعلت الاسرة تلتقي مجددا بعد أن شتت شملها الموبايل والانترنيت، وقال :» هذه الرياضة اعطت دليلا قاطعا على ان الأسر العراقية تحب الفرح والحياة والنصر وما لفت انتباهي خلال تواجدي لمشاهدة المباراة الاخيرة بين العراق وفيتنام مع الاهل في احدى المقاهي العائلية، إلى امرأة مسنة تتوكأ على عصى برفقة حفيدها، اصرت على أن ترى أبطال الملاعب وهم يقاتلون من اجل الفوز، ليزرعوا الابتسامة في وجوه العراقيين والفرحة في قلوبهم، مثلما شاهدت الكثيرمن الأسر العراقية يقفون دون وجود كراسي شاغرة لهم في ذات المقهى، فقط من اجل تشجيع المنتخب الوطني والدعاء له بالفوز، وعلى مدى (90) دقيقة نسى الناس مشكلاتهم وهمومهم، وبعد الفوز قال احد الشباب «اليوم شعرت برضا الله على الوطن».
الخزاعي تمنى ان تنقل المبارة بالكامل عبر القنوات العراقية، كي لا تضطر امرأة مسنة عاشقه لوطنها ان تتعنى لتشجيع المنتخب خارج منزلها، منوها بأن أغلب الأسر العراقية حرمت من الاستمتاع بمشاركة بقية ابناء الشعب فرحة الفوز.
ولان السايكولوجيين يبحثون عن اسباب هوس الناس بكل شيء، فإن رئيس الجمعية النفسية العراقية د.قاسم حسين صالح اوضح لـصفحة «اسرة ومجتمع» اسباب تعلق العراقيين بكرة القدم قائلا:» ما بين ساحة الحرب وساحة اللعب حالة سيكولوجية واحدة، حيث في الأولى جيشان يتقاتلان ويستخدمان الخدعة من اجل النصر وهزيمة الخصم، اما في الثانية فريقان يعتمدان على الخدعة ايضا لكنهما يتقاتلان بطريقة متحضرة، اخضعت فيها الصراع لقوانين انضباطية تحيط بهما جماهير ترفع اعلام فرقها، ومع أن كرة القدم سجلت فضلا على البشرية بكونها نقلت الصراعات بين الدول من ساحات القتال الى ملاعب كرة القدم، لكنها كانت احيانا سبب في تأجيجها».
واستطرد صالح حديثه بالقول :» إن هنالك سببا فسيولوجيا لتعلق الشعوب بكرة القدم، وهو أن الحياة مملة وإن دماغ الانسان يحتاج لأن يتنشط، وأن كرة القدم بما فيها من ترقب وتوتر وصراخ فأنها تزيح عن الدماغ انشغالاته اليومية بالهموم، وتنعشه بما تحدثه من ايعازات بإفراز هرمونات منشطة، كما أن أي شعب لم يتعرض الى ما تعرض له العراقيون من خيبات، ولهذا فأن شغف العراقيين بكرة القدم العالمية يعد حالة «مرضية» ناجمة عن قساوة وديمومة هزائمهم النفسية في الحياة العامة، وأنهم يجدون في التوحد بفريق فائز ما ينفس عنها، وما يجعل من الفريق الرياضي الاخر بديلا لا شعوريا عن خصمهم الحقيقي في حياتهم، فيسقطون عليه انتقامهم المكبوت».