ما هو التأثير البيئي لأقداح القهوة الجاهزة؟

علوم وتكنلوجيا 2024/01/29
...

 سيسيليا نويل

 ترجمة: بهاء سلمان


بغض النظر عن مدى جودة القهوة في مكتبك، إذا كنتَ مثل الملايين من الآخرين، فمن المحتمل أنك تخرج إلى المقهى مرة واحدة على الأقل في الأسبوع لتستمتع بفنجان من القهوة أعده شخصٌ آخر. ومهما يكن نوع المشروب، ساخناً أم بارداً، فمن المحتمل أنْ يتمَّ تقديمه في كوبٍ يمكن التخلص منه، مصنوع من الورق أو البلاستيك أو رغوة البوليسترين ((Styrofoam، والتي يمكنك رميها في سلة المهملات على الرصيف أثناء عودتك إلى المكتب. من السهل أنْ ننسى تلك الأكواب ذات الاستخدام الواحد بمجرد أنْ تترك أيدينا، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ آثارها البيئيَّة تتوقّف عند هذا الحدّ أيضاً.

ولحسن الحظ، بدأ المزيد من الأشخاص بتعبئة كوبٍ معزولٍ قابلٍ لإعادة الاستخدام أو قدح بجانب زجاجة المياه الخاصة بهم، كما تعرض المزيد من المقاهي صب المشروبات في الأكواب التي يجلبها العملاء من المنزل. أعلنت شركة ستاربكس هذا الشهر أنها ستبدأ في تطبيق فكرة إحضار الزبون لكوبه الخاص. وعلى الرغم من أنَّ الشركة سمحت للعملاء بإحضار فنجانهم الخاص للطلبات الشخصيَّة منذ الثمانينيات، إلا أنَّ تحركها لتوسيع هذه الفكرة ليشمل طلبات الشراء من السيارة وطلبات التطبيقات يشير إلى قلق الشركات والعملاء المتزايد من فناجين القهوة ذات الاستخدام الواحد الممكن التخلّص منها.


عمليَّة معقّدة للغاية

إذاً ما هو التأثير البيئي لكوبٍ واحدٍ يمكن التخلّص منه؟ لقد ظهر بأنَّ الأثر كبيرٌ تماماً "إنَّ دورة الحياة الكاملة للأكواب التي تستخدم لمرة واحدة، بدءاً من استخراج المواد الخام إلى الإنتاج والنقل، تتطلّب طاقة كبيرة، ما يسهمُ في التدهور البيئي،" هذا ما قاله "بريتام باسو" و"ثانوس بابادوبولوس"، الأستاذان في كليَّة كينت للأعمال والمؤلفان المشاركان لتقرير عام 2022 عن نفايات أكواب القهوة، وأضافا: "إنَّ التحلل البطيء للأكواب التي تستخدم لمرة واحدة، وخاصة تلك التي تحوي بطانات بلاستيكيَّة، يمكن أنْ يؤدي إلى إطلاق المواد البلاستيكيَّة الدقيقة في البيئة، وفي حالة احتمال أنْ ينتهي الكوب القابل للتصرف الخاص بك في النفايات المخصصة للحرق، فإنَّ هذه العمليَّة يمكن أنْ تطلقَ الملوّثات في الهواء".

اليوم، تنتج الولايات المتحدة نحو 3 ملايين طنٍ من البوليسترين كل عام، وينتهي 80 بالمئة منها في سلة المهملات، بضمنها نحو 25 مليار كوبٍ كل عام؛ وهذا يعني أنَّ المواد تشغل نحو ثلث مساحة مكب النفايات. كقمامة، يستغرق البوليسترين نحو 500 عامٍ ليتحلل، بينما يستلزم تصنيع كوبٍ واحدٍ من الستايروفوم نحو 33 غراماً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل سير سيارة لمسافة 150 متراً، وهو ما لا يبدو كثيراً، ولكنْ عندما تفكّر في كميَّة البوليستيرين التي تنتجها الولايات المتحدة كل عامٍ والتي تضيف ما يصل إلى نحو 21 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أو الكميَّة ذاتها تقريباً التي تبعثها إلى الجو 4.5 مليون السيارة منها كل عام.


تهديد البيئة

يقول بابادوبولوس موضحاً "أنَّ أكواب الستايروفوم خفيفة الوزن وغير مكلفة، ولكنها غير قابلة للتحلّل، ويمكن أنْ تبقى في البيئة لمئات السنين. قد يؤدي التخلص غير السليم من القمامة التي تضرُّ بالحياة البريَّة والنظم البيئيَّة، ويمكن أنْ تتكسرَ رغوة البوليسترين إلى قطعٍ صغيرة، ما يؤدي إلى نشوء القمامة ويشكل تهديداً للحياة البريَّة التي قد تبتلعها".

عندما تتحلل، يمكن لرغوة البوليسترين أيضاً أنْ تسربَ موادَّ كيميائيَّة إلى البيئة المحيطة، وينطبق الشيء ذاته عندما تكون مليئة بالقهوة، وهو يتكوّن من مادتي البنزين والستايرين المسرطنتين.

وقد دفع ذلك بعض المدن والولايات، من ولاية ماين إلى لوس أنجلوس، إلى حظر رغوة البوليسترين. في جميع المجالات، تقدم المطاعم والمتاجر عدداً أقل فأقل من المشروبات الساخنة في عبوات البوليسترين.

على الرغم من أنَّ الأكواب البلاستيكيَّة ليست شائعة الاستخدام لتقديم المشروبات الساخنة، إلا أنَّ الحديث عن الأكواب التي تستخدم لمرة واحدة سيكون غير متكاملٍ إذا لم يتضمن البلاستيك. من الأكواب الحمراء المنفردة المنتشرة في كل مكانٍ في مساكن الطلبة الجامعيين إلى الأكواب الشفافة التي يمكن تقديم شاي البوبا أو اللاتيه المثلج بها، تستخدم الأكواب البلاستيكيَّة على نطاقٍ واسعٍ، ويتمُّ التخلص منها على الفور، في جميع أنحاء البلاد.

تصنع الأكواب البلاستيكيَّة عادة من أحد نوعين من البلاستيك: البولي بروبيلين أو البولي إيثيلين تيريفثاليت. ومثل البوليسترين، تتحلل المواد البلاستيكيَّة التقليديَّة ببطءٍ شديدٍ، وتتحول أولاً إلى مواد بلاستيكيَّة متناهية الصغر ومادة نانويَّة صغيرة جداً تلوّث بيئتنا وأجسادنا. ولأنَّ تحلله يستغرق وقتاً طويلاً، فإنَّ معظم 8.3 مليار طن متري من البلاستيك الذي تمَّ تصنيعه على الإطلاق لا يزال موجوداً. واعتماداً على نوع البلاستيك المصنوع منه وكيفيَّة التخلص منه، تتراوح الانبعاثات الصادرة عن الكوب البلاستيكي ذي الاستخدام الواحد بين 10 غرامات إلى 30 غراماً من ثاني أوكسيد الكربون.


أجسامنا تدفع الثمن

ويقول بابادوبولوس إنَّ البلاستيك "لا يتحلل بيولوجياً ويمكن أن يبقى في البيئة لمئات السنين، ويتحلل إلى جسيمات بلاستيكيَّة دقيقة تضرُّ النظم البيئيَّة والحياة البريَّة". وينتهي الأمر بالكثير من هذا البلاستيك في المحيط، 10 ملايين طن سنوياً، ويشقُّ طريقه إلى أجسامنا من خلال المواد البلاستيكيَّة الدقيقة من زجاجات المياه والأكواب البلاستيكيَّة وطعامنا. ويمكن لهذه المواد البلاستيكيَّة أنْ تدخل مواد كيميائيَّة مسرطنة ومسببة لاضطرابات الغدد الصماء إلى أجسامنا.


صحيفة الغارديان البريطانيَّة