سعاد البياتي
لمرات عدة تتوجه صفحة (اسرة ومجتمع) نحو المحاكم الشرعية في بغداد، لتقف عند حالات الطلاق التي تزداد كل شهر وبأرقام مخيفة، لتدق ناقوس الخطر وتفتح أبواب الاستغراب حول هذا الموضوع الذي بات يهدد أمن الأسرة وكيانها الاجتماعي! ومن منطلق البحث عن الاحصائيات والاسباب، كشف مجلس القضاء الاعلى عن بياناته للعام الماضي بنسبة اعلى حالات الطلاق بستة آلآف و973.
وهذه الارقام صادمة لمجتمع يحتفظ بالتقاليد والعادات التي تلزمه احيانا بالتريث وتفهم اساسيات الزواج وغيرها مما يعيد للاسرة كيانها المعهود، فمازالت الاسر تتمسك بمسؤولياتها تجاه أولادها، وتقوم بأدوارها المتعددة، ونقف هنا عند قصص الطلاق التي وجدنا اغلبها بأعمار صغيرة وبأسباب بسيطة.
رغبة الأهل
محمود غانم 22 عاما متزوج منذ ستة اشهر، يقول اثناء حديثنا معه عن سبب وقوفه امام القاضي لطلب التفريق» اهلي اجبروني على الزواج من ابنة خالتي على اساس ان الفتاة يتيمة، ومن واجب الأقرباء رعايتها والاهتمام به ، قبلت الارتباط بها على مضض والنزول عند رغبة والدتي، لأني ما زلت ادرس وامنيتي تكملة دراستي الجامعية، فلم تستطع فهمي او ادراك مسؤوليتها تجاهي، وصارت المشكلات تتقاذف علينا حتى بالامور البسيطة، وأردت وضع حل لهذه الارهاصات والتداعيات بالطلاق الذي وجدته انسب الحلول، قبل أن يتفاقم بالانجاب!
يعزي رحيم كامل 25 وهو اب لطفلين باختصار اسباب طلاقه لزوجته انه يعمل في المهن الحرة قليلة الدخل نوعا ما، وزوجته تطالبه بالاستقلال البيتي بعيدا عن اهله، وهذا لايروق له حسب تعبيره، وفي كل مرة تطالبه بذلك تحدث المشكلات وتنغص عليه حياته ، لذا جاء قرار الطلاق بعد ان هجرته لأشهر عدة في بيت اهلها، واشترطت ألا تعود الا في بيت مستقل، مما حدا به الى أبغض الحلال.
تعاط
وتروي سما عادل 20 عاما عن سبب تواجدها في المحكمة برفقة ابويها مبينة:
زواجي استمر خمسة أعوام، انجبت طفلاً واحداً ولم تحدث بداية اية مشكلة بيننا، لاحظت في الآونة الاخيرة ان زوجي الذي يكبرني بثلاثة اعوام بدأ يتغير في معاملتي ولم يلبِ رغباتي المادية، ويسهر كثيراً خارج المنزل وياتي وهو بسلوكيات غريبة، فاكتشفت انه يتعاطي المخدرات ويصرف كل مايرده من مال على ملذاته، فلم اتمكن من الاستمرار معه حتى بعد محاولاتي الكثيرة في نصحه وارشاده
طلبت الطلاق اخيرا بعد عجزي عن ردعه وهو الطريق الاسلم لي ولابني.
فيما بينت احدى المطلقات، التي رفضت البوح عن اسمها، إلى أنها ارادت الفراق من زوجها بسبب سوء خلقه، مضيفة «في كثير من الأحيان كان يضربني ويشتمني على أبسط الأمور، مما اضطرني أن اطلب ابغض الحلال وأتخلص من زواج لم يكن الا ذلاً.
أسباب كثيرة وجدناها تفضي الى المحكمة بهدف الطلاق بعضها لا يستحق التهويل او الاصرار، بيد أن مانسمعه ونراه في السوشيل ميديا من حالات غريبة لذلك، ولاسباب تافهة والتي ضجت بها بدت لنا غير معقولة لهدم اسرة وتشريد اطفال لاذنب لهم .
تعددت الاسباب
طرقنا باب الباحثة الاجتماعية سجى عدنان التي وجدنا في مكتبها عشرات من الملفات، التي تطلب التفريق ودورها يتحدد في اصلاح ذات البين وعودة الحياة لبيت الزوجية، تقول حينما سألناها عن الأسباب « أهم سبب لذلك والأكثر رواجا هنا هو العامل الاقتصادي والبطالة والزواج المبكر، كما أن تدخل الاهل في قضايا الازواج يفتت شأنهم ويغير مجرى امورهم، فيما بينت عدنان أن العمر المبكر في الزواج، سواء للبنت أو الولد وعدم إدراكهما الحياة الأسرية المقبلين عليها من خلال انتقالهما من حال إلى أخرى أحد الأسباب أيضاً.
واوضحت بشدة أن التكنولوجيا وسوء استخدامها أربكت الأسرة العراقية، مشيرة إلى أن الانفتاح الكبير من دون إدراك هذه المشكلات أدى إلى انتشار الخيانة الزوجية، من قبل الرجل أو المرأة مما عجل بالطلاق، ونبهت إلى أسباب فرعية للطلاق منها عدم التكافل الاجتماعي بين الفتاة والشاب، وعدم تلبية الزوجة متطلبات زوجها والعكس أيضا.
ويكون في معظم الحالات الأطفال الضحية الأكبر في القضية، فلا حول ولاقوة لهم، ومهما حاول البحث الاجتماعي في احتواء الأزمة و العدول عن القرار، لم نتمكن من ذلك الا في بعض الحالات تمكنا بعد مداولات عديدة بينهما من عودة الامور الزوجية إلى طبيعتها والتنازل عن المتطلبات، وأحب أن أنوه حسب عدنان الى اننا نبذل قصارى جهدنا في تفهم قضاياهم وتأجيل المرافعات، بحجة أن يبدلوا قرارهم فنجمعهم مها ونتحدث اليهم، ونطلب حديثا عن الصفات الجيدة في الزوج او الزوجة لنحنن قلوبهم وربما يخرجون متحابين من جديد.
الرأي القانوني
اثناء تواجدنا في المحكمة الشرعية أردنا لقاء أحد القضاة، إلا أن انشغالهم بالعديد من القضايا الاجتماعية حالت دون ذلك.
لذا كان لقاؤنا مع القانوني حسن عودة الربيعي متحدثا: التزايد الكبير في حالات الطلاق شكل خطراً كبيراعلى السلم الاجتماعي، وبات يهدد كيان الاسرة، فالعديد من القضايا التي تردنا نلتزمها قانونياً هي قضايا الطلاق، التي يطالبون بحسمها سريعاً بحجج واهية احياناً، ومنها وجدنا مشكلة الخيانة الزوجية والتعامل مع السوشيل ميديا بشكل مفرط وإهمال الزوجة أو الزوج لمسؤوليتهما الزوجية والزواج المبكر وغيرها الكثير، والمحكمة تغص بها، إلا أن حصة التأثير الاقتصادي والبطالة الاكبر، تليها التعاطي، الذي اودى بالعديد من المتزوجين الى السجن، فما كان من الزوجة وأهلها إلا أن يبادروا بانفصال ابنتهم والعودة بها اليهم.
نهايةً استشفينا أن الطلاق بات اسهل من أي أمر آخر، واغلب القضايا تحل بالتفاهم والصبر كما كانت تفعل امهاتنا وجداتنا، لكن الجيل الجديد غير مقتنع بالحلول البسيطة، وصارت الكلمة البغيضة على أفواههم أسهل من الكلمة الطيبة.