ترجمة: شيماء ميران
عند الذهاب في هذه الأيام الى أحد المولات أو المقاهي أو ساحات اللعب، سنلاحظ أنَّ المراهقين يحدقون بالشاشة المضيئة للهواتف أو الألواح الذكيَّة.
وبحسب البحث الذي أجرته منظمة قيصر (موقع الكتروني يزود الأسرة بمعلومات صحية) فإنَّ الأطفال والمراهقين يستخدمون التكنولوجيا أكثر من أربع الى خمس مرات عن الحد المقرر لاستخدامها، ما يؤدي الى مخاطر وعواقب تهدد الحياة كالتعرض الى حادث سيارة بسبب كتابة الرسائل النصيَّة. واكتشف فريق من الباحثين في جامعة آيوا الأميركيَّة أنَّ90 بالمئة من الاطفال العصريين بعمر السنتين يمتلكون قدرات معتدلة في استخدام اللوح الذكي.
يقول الطبيب النفسي للطفل والأسرة في لوس انجلوس الدكتور فران والفيش: «لدينا الآن أطفالٌ بعمر السنتين يستخدمون الألواح الذكية ومدمنون عليها بالفعل، فهي تسلب العقل، وخطرة بعض الشيء».
وهناك عواقب محتملة طويلة الأمد لاستخدام الأطفال الصغار المفرط لتكنولوجيا كهذه، أولها انها يمكن ان تغير علاقة الطفل بوالديه. إنَّ تضاعف دماغ الرضيع لثلاثة اضعاف حجمه وصوت والديه ولمساتهم ولعبهم معه يساعد على إنشاء ممرات في الدماغ توجهه لتعلم كيفية الارتباط العاطفي مع الأشخاص الآخرين. لكن عندما يمضي الأطفال وقتاً أكبر بالتفاعل مع شاشة، فسيختلف الأمر».
وتقول ممرضة الاطفال دنيس دانيلز: إنَّ «الممرات العصبية تتغير وتُنشئ أخرى مختلفة عنها، وتؤثر في التركيز وحب الذات».
وتصبح هذه الأجهزة الإدمان الأول للأطفال، لأنها تسمح لهم بالحصول على ما يريدونه بنقرة زر، ولا تعلمهم الاعتدال والتحكم بالدوافع، أو تحدي أنفسهم. وهذا ما يوضحه أستاذ الطب النفسي ومدير مركز طوال العمر في معهد سيميل للعلوم العصبية الدكتور غاري سمول «واحد من الاشياء العجيبة بهذه التكنولوجيا، هو انها دائما يمكنها عمل شيء جديد، ولهذا السبب بالتحديد يكون من الصعب الاقلاع عن استخدامها».
تساهل الأبوين
وقد تُحدث الأجهزة الذكية نوبات غضب لدى الأطفال، فعند إدمان أحدهم سيدخل في نوبة، إذا أُخذ منه ما هو مهووس به، ولا يعدُّ إعطاء الطفل هاتفاً ذكياً لتهدئته في النوبة العصبية فكرة جيدة. وتتساءل طبيبة الأطفال المساعد جيني راديسكي «إذا أصبحت هذه الطريقة سائدة في تهدئة وتلهية الأطفال، فهل سيتمكنون من تطوير آلياتهم الداخلية في تنظيمهم الذاتي؟».
وتؤثر هذه الاجهزة في نوم الأطفال، فالالتفاف معها قبل الذهاب الى السرير ليلاً يُصعب النوم، لأنَّ الضوء المنبعث من الشاشة يمنع هرمون النوم الميلاتونين ويقلب دورة النوم والاستيقاظ الطبيعيَّة للجسم. وتشير عالمة الأعصاب آن ماري تشانغ الى أن «استخدام هذه الأجهزة مساءً قبل النوم له تأثير سلبي في تناغم الساعة البيولوجيَّة للجسم».
وبحسب تقديرات كلية بوسطن فإنَّ ستين بالمئة من الآباء والأمهات لا يشرفون على استخدام أطفالهم للتكنولوجيا، إذ يسمحون لأطفالهم باستخدامها في غرف النوم، ما يتسبب بحرمانهم من النوم للمدى الذي قلت به درجاتهم المدرسيَّة.
ويؤكد الباحثون أنَّ الهواتف الذكية مضرة بقابلية الطفل على التعلم لأنها تجذب انتباهه. وتقول الدكتورة جيني: «هذه الاجهزة قد تحل محل النشاطات اليدوية المهمة لتطوير المهارات الحسية والحركية، والتي تعدُّ مهمة في تعلم وتطبيق الرياضيات والعلوم»، كما أنَّ الفيديوهات والألعاب على شبكة الانترنت تحد من إبداع وخيال الطفل الناشئ وتقلل من تطور طاقته الحسيَّة والبصريَّة.
نحن نعلم انه من الصعب قول كلام سيئ عن شخص وراء ظهره، لأنك ستتمكن من رؤية تعابير وجهه الحزينة وتشعر بألمه إذا قلته بوجهه، ما يجبرك على التفكير والشعور بالندم، وتأثير الكلام في الانترنت لا يدوم، لعدم إمكانية رؤية نبرة الصوت أو لغة الجسد او تعابير الوجه او حتى الفيرومونات التي تُفرز خلال التفاعل وجها بوجه.
يقول الطبيب النفسي جيم تايلور: “كل هذه الاشياء اساسية في بناء العلاقات الانسانية، إلا انها مفقودة في اغلب اشكال التكنولوجيا الحديثة، ولان الاطفال يقضون اغلب وقتهم بالتواصل عبرها، فلن تتطور مهاراتهم بالتواصل التي يستخدمها الانسان منذ القدم، فالتواصل ليس مجرد كلمات».
وتزيد هذه الاجهزة من احتمالية التعرض لأمراض عقلية، لأنها تسهل الانعزال العاطفي وتجعلهم متنمرين على الانترنت، فأطنان الصور والصيغ على الانترنت تجعل من الطفل او المراهق يشعر بالاضطراب حول نمو اجسامهم.
مخاطر نفسيَّة وجسديَّة
ويشير الخبراء الى أنَّ استخدام الأطفال للهواتف والألواح الذكية كثيراً قد يكون عاملاً في ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق واضطراب التعلق ونقص الانتباه والذهان وسلوك الطفل الإشكالي، وقد تصيبهم بالبدانة، لأنه عند إدمان الطفل عليه لا يتحرك عند استخدامه، فيحد من نشاطه البدني ويزيد من احتمالية اكتسابه للوزن.
وبحسب إحدى الدراسات فإنَّ الأطفال الذين يُسمح لهم باستخدام الأجهزة في غرف النوم تكون فرصة تعرضهم للسمنة 30 بالمئة التي تنتج عنها مخاوف اخرى، لانهم قد يكونون معرضين للإصابة بالسكري وخطورة الإصابة المبكرة بالسكتة الدماغية او النوبة القلبية. لذا يعتقد الخبراء ان اطفال القرن الحادي والعشرين قد يكونون أول جيل لن يتجاوز عمر آبائه بسبب السمنة وفرط استخدام التكنولوجيا.
هذه الأجهزة تجعل منهم عدوانيين، لأنهم لن يتعلموا العطف لفرط استخدامها، ومن الطبيعي أنْ يكونوا أكثر انانية وتنمراً على الانترنت. وللتنوع الواسع في الألعاب الالكترونية العنيفة تجعله يعتقد أنَّ السلوك العدواني هو ببساطة الطريقة الطبيعية للتعامل مع المشاكل وحلها.
إنَّ تعلم المهارات الاجتماعية أمرٌ ضروريٌ لنجاح الطفل الشامل، وتعامله مع الآخرين بعصبيَّة قد يكون عائقاً لقدراته بأنْ يكون الأفضل. ورغم أنَّ الطفل قد يكون مقاوماً لكن يجب تحديه وإجباره على ترك الهاتف جانباً والتفاعل مع عائلته وأقرانه من الأطفال ليتمكن من تمييز تعابير الوجوه ولغة الجسد وتعلم التعاطف، والشعور بالآخرين من حوله بسهولة.
تقول دينيز دانيال: «الأطفال يحتاجون لقضاء الوقت وجهاً لوجه، فإذا اختصرتم عواطفكم بالتكنولوجيا، ستعيشون حياة مختصرة».