عبد الحليم الرهيمي
دعوة وزير الخارجية البريطانية اللورد ديفيد كاميرون المثيرة، إلى الدول الغربية وأميركا للإعلان عن اعترافها المسبق، وحتى قبل وقف الحرب في غزة، بالدولة الفلسطينية التي ستتم إقامتها، أثارت ردود فعل ومواقف إيجابية واسعة، حتى أن محللين بريطانيين وعربا اعتبروا هذه الدعوة بمثابة (زلزال سياسي) يحدث في أوروبا. اطلق كاميرون هذه الدعوة في قناة (BBC) أولاً، وعبر عنها وأكد عليها في مقابلته مع صحيفة (النهار) البيروتية، التي نشرتها في عددها الصادر في الثاني من شهر شباط الحالي، والتي تحدث فيها عن الحرب على غزة، وأشار في الوقت ذاته بوضوحٍ عن دعوتِهِ للاعتراف المسبق بالدولةِ الفلسطينيةِ المزمع إقامتها.
إن قناعة كاميرون بنجاح دعوته وقبولها من الدول المعنية إنما تولدت من التأييد الواسع في بريطانيا، خاصة من الحكومة التي أعلن رئيسها قبل يومين من هذه الدعوة بتصريحٍ مشابه وتأييد حزب المحافظين الحاكم، والذي يتوقع أن يتبنى الدعوة رسمياً، فضلاً عن نواب كثيرين من حزب العمال المعارض، ولم يضعف هذه الدعوة ويعرقل تحقيقها الحملات المضادة لها التي تشنّها (اللوبيات اليهودية) في بريطانيا وأوروبا وفي (مؤتمر القدس) المنعقد هذه الأيام في تل أبيب بحضور اليهود المتعصبين والليكود، وأعضاء من حكومة نتنياهو الليكودية العنصرية. وتهدف دعوة كاميرون هذه إلى المباشرة في المساعي لإعلان هذه الدولة الآن، ودون انتظار وقوف الحرب في غزة، وأن تتوصل تلك المساعي إلى موافقة بريطانيا رسمياً والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية الى الإعلان رسمياً عن تلك الموافقة، ثم نقل هذه الموافقة إلى المؤسسات الدولية خاصة (الأمم المتحدة) كي تأخذ صفتها الدولية القانونية.
وكما فهم المتابعون والإعلاميون من هذه الدعوة أن كاميرون أصبح معتقداً أن بريطانيا نفسها والدول الغربية عموماً باتت أكثر ميلاً أكثر لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويبدأ ذلك من حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حلاً حقيقياً ودائمياً عبر التأسيس الفعلي لدولة فلسطينية مستقلة، على حدود عام 1967، وإذ تراجعت هذه الدول وأبدت عدم اهتمامها بالحلول المقترحة سابقاً، أصبحت مقتنعة الآن، فضلا عن غالبية الفلسطينيين والبلدان العربية باتوا مقتنعين أيضاً أن حالة السلام لا تتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية. أما ما يعيق تحقيق هذه الدعوة – الهدف، كما في مشاريع الحلول التي طرحت في المراحل الماضية، فهو دور المتشددين والعنصريين الإسرائيليين، وكانت حكومة نتنياهو مثالهم الأبرز، هذا فضلاً عن دور المتشددين في الجانب الفلسطيني وبدرجة أقل الجانب العربي.
إن دعوة – مشروع ديفيد كاميرون هو توجه جديد ومهم في الموقف البريطاني، والذي سيشمل ايضاً أوروبا وأميركا، لأن الجميع ملَّ الحروب ونتائجها وانعكاساتها السلبية على الجميع، لذلك يتوجب على القادة الفلسطينيين ومعهم القادة العرب الواعون والمعتدلون في فهمهم السياسي، أن يلتقطوا هذه الفرصة التاريخية ويتمسكوا بها تمسكاً شديداً وواعياً ومسؤولاً وعدم فقدانها وتضييعها، كما حصل في فرصتين سابقتين مهمتين. الأولى رفض القرار الأممي بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية (سميت إسرائيل لاحقاً)، وقد رفض الفلسطينيون والعرب آنذاك هذا الحل لقسوته الشديدة على الجميع، لكن لم ينظر إليه بواقعية إلا قلة غير مؤثرة .. فضاعت الفرصة، أما الفرصة الثانية فتمثلت بالاقتراح والخطة التي قدمها الرئيس الحبيب بورقيبة عام 1965، عندما زار الأردن واتفق مع الملك الراحل حسين على إعادة الضفة الغربية، التي ضمت سابقاً إلى الأردن مع التحدث إلى مصر لإعادة قطاع غزة، الذي كان تحت حكمها، ويتم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى قبل احتلالها من إسرائيل. كلمة الرئيس بورقيبة الذي طرح هذا المشروع أمام حشد كبير من الفلسطينيين في مدينة (أريحا)، استقبلت بالاحتجاج الشديد مع هتافات معادية، فتراجع عن مشروعه وعاد ليس هو ( بخفي حنين) إنما الفلسطينيون أنفسهم!
هذا التذكير بفرصتين مهمتين تاريخيتين لتأسيس دولة فلسطينة، لتوضع أمام القادة الفلسطينيين خاصة، وامام العرب بشكل عام، حتى لا تضيع هذه الفرصة التاريخية الجديدة التي يدعو إليها ديفيد كاميرون وبريطانيا، وبالطبع ستكون هناك مصاعب كثيرة عند الموافقة على هذا الحل المقترح، منها دور العنصريين الليكوديين ونتنياهو، وهذا سيتوجب على رعاة هذا الحل البريطانيين والغرب والعرب لجمه، اما المتشددون من الجانب الفلسطيني الذين قد، وربما بالتأكيد سيعارضون فيمكن بجهود فلسطينية وعربية ودولية إيجاد التخريجات والتسويات المناسبة لعدم عرقلة قيام الدولة الفلسطينية الحلم المنتظرة.