دعوة كاميرون المثيرة للاعتراف مسبقاً بالدولة الفلسطينيَّة

آراء 2024/02/14
...

 عبد الحليم الرهيمي

دعوة وزير الخارجية البريطانية اللورد ديفيد كاميرون المثيرة، إلى الدول الغربية وأميركا للإعلان عن اعترافها ‏المسبق، وحتى قبل وقف الحرب في غزة، بالدولة الفلسطينية التي ستتم إقامتها، أثارت ردود فعل ومواقف ‏إيجابية واسعة، حتى أن محللين بريطانيين وعربا اعتبروا هذه الدعوة بمثابة (زلزال سياسي) يحدث في أوروبا.‏ اطلق كاميرون هذه الدعوة في قناة (‏BBC‏) أولاً، وعبر عنها وأكد عليها في مقابلته مع صحيفة (النهار) ‏البيروتية، التي نشرتها في عددها الصادر في الثاني من شهر شباط الحالي، والتي تحدث فيها عن الحرب على ‏غزة، وأشار في الوقت ذاته بوضوحٍ عن دعوتِهِ للاعتراف المسبق بالدولةِ الفلسطينيةِ المزمع إقامتها.‏

إن قناعة كاميرون بنجاح دعوته وقبولها من الدول المعنية إنما تولدت من التأييد الواسع في بريطانيا، خاصة ‏من الحكومة التي أعلن رئيسها قبل يومين من هذه الدعوة بتصريحٍ مشابه وتأييد حزب المحافظين الحاكم، ‏والذي يتوقع أن يتبنى الدعوة رسمياً، فضلاً عن نواب كثيرين من حزب العمال المعارض، ولم يضعف هذه ‏الدعوة ويعرقل تحقيقها الحملات المضادة لها التي تشنّها (اللوبيات اليهودية) في بريطانيا وأوروبا وفي (مؤتمر ‏القدس) المنعقد هذه الأيام في تل أبيب بحضور اليهود المتعصبين والليكود، وأعضاء من حكومة نتنياهو ‏الليكودية العنصرية.‏ وتهدف دعوة كاميرون هذه إلى المباشرة في المساعي لإعلان هذه الدولة الآن، ودون انتظار وقوف الحرب ‏في غزة، وأن تتوصل تلك المساعي إلى موافقة بريطانيا رسمياً والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ‏الى الإعلان رسمياً عن تلك الموافقة، ثم نقل هذه الموافقة إلى المؤسسات الدولية خاصة (الأمم المتحدة) كي ‏تأخذ صفتها الدولية القانونية.‏

وكما فهم المتابعون والإعلاميون من هذه الدعوة أن كاميرون أصبح معتقداً أن بريطانيا نفسها والدول الغربية ‏عموماً باتت أكثر ميلاً أكثر لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويبدأ ذلك من حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حلاً حقيقياً ودائمياً عبر التأسيس الفعلي لدولة فلسطينية مستقلة، على حدود عام 1967، وإذ ‏تراجعت هذه الدول وأبدت عدم اهتمامها بالحلول المقترحة سابقاً، أصبحت مقتنعة الآن، فضلا عن غالبية ‏الفلسطينيين والبلدان العربية باتوا مقتنعين أيضاً أن حالة السلام لا تتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية. أما ما ‏يعيق تحقيق هذه الدعوة – الهدف، كما في مشاريع الحلول التي طرحت في المراحل الماضية، فهو دور ‏المتشددين والعنصريين الإسرائيليين، وكانت حكومة نتنياهو مثالهم الأبرز، هذا فضلاً عن دور المتشددين ‏في الجانب الفلسطيني وبدرجة أقل الجانب العربي.‏

إن دعوة – مشروع ديفيد كاميرون هو توجه جديد ومهم في الموقف البريطاني، والذي سيشمل ايضاً أوروبا ‏وأميركا، لأن الجميع ملَّ الحروب ونتائجها وانعكاساتها السلبية على الجميع، لذلك يتوجب على القادة ‏الفلسطينيين ومعهم القادة العرب الواعون والمعتدلون في فهمهم السياسي، أن يلتقطوا هذه الفرصة التاريخية ‏ويتمسكوا بها تمسكاً شديداً وواعياً ومسؤولاً وعدم فقدانها وتضييعها، كما حصل في فرصتين سابقتين مهمتين. ‏الأولى رفض القرار الأممي بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية (سميت إسرائيل لاحقاً)، وقد رفض ‏الفلسطينيون والعرب آنذاك هذا الحل لقسوته الشديدة على الجميع، لكن لم ينظر إليه بواقعية إلا قلة غير مؤثرة ‌‏.. فضاعت الفرصة، أما الفرصة الثانية فتمثلت بالاقتراح والخطة التي قدمها الرئيس الحبيب بورقيبة عام ‌‏1965، عندما زار الأردن واتفق مع الملك الراحل حسين على إعادة الضفة الغربية، التي ضمت سابقاً إلى ‏الأردن مع التحدث إلى مصر لإعادة قطاع غزة، الذي كان تحت حكمها، ويتم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، ‏حتى قبل احتلالها من إسرائيل. كلمة الرئيس بورقيبة الذي طرح هذا المشروع أمام حشد كبير من الفلسطينيين ‏في مدينة (أريحا)، استقبلت بالاحتجاج الشديد مع هتافات معادية، فتراجع عن مشروعه وعاد ليس هو ( بخفي ‏حنين) إنما الفلسطينيون أنفسهم!‏

هذا التذكير بفرصتين مهمتين تاريخيتين لتأسيس دولة فلسطينة، لتوضع أمام القادة الفلسطينيين خاصة، وامام ‏العرب بشكل عام، حتى لا تضيع هذه الفرصة التاريخية الجديدة التي يدعو إليها ديفيد كاميرون وبريطانيا، ‏وبالطبع ستكون هناك مصاعب كثيرة عند الموافقة على هذا الحل المقترح، منها دور العنصريين الليكوديين ‏ونتنياهو، وهذا سيتوجب على رعاة هذا الحل البريطانيين والغرب والعرب لجمه، اما المتشددون من الجانب الفلسطيني ‏الذين قد، وربما بالتأكيد سيعارضون فيمكن بجهود فلسطينية وعربية ودولية إيجاد التخريجات والتسويات ‏المناسبة لعدم عرقلة قيام الدولة الفلسطينية الحلم المنتظرة.