بغداد : سرور العلي
تصوير: أحمد جبارة
هل تستمر معاناة المواطنين بسبب تدهور البنية التحتية للطرق في بغداد؟ وهل يمكن للجهات المعنية توفير حلول فعالة؟
في كل صباح، يبدأ السائق جاسم حسن (50 عاماً) يومه وسط طابور طويل من السيارات التي تقف في الزحام المستمر في بغداد.
يقود سيارته عبر طريق قناة الجيش السريع، الذي يعد من الطرق الحيوية التي تربط شمال العاصمة بجنوبها، لكن ما إن يلاحظ حالة الطريق المتدهورة من الحفر والمطبات والمخاطر التي قد تشكل تهديداً على سلامته وسلامة الركاب، حتى يعجز عن فهم لماذا لا يتم إصلاح هذا الطريق الحيوي على مدار السنوات الماضية.
الطريق الذي يمتد لأكثر من ٢٢ كيلومتراً، يُعد واحداً من أهم الشرايين التي تغذي الحركة المرورية في بغداد، وقد شهد تدهوراً ملحوظاً؛ نتيجة للاستخدام المفرط والعوامل الطبيعية، بينما زادت الأمطار الموسمية من تدهور حالة الطرق، بسبب تجمع المياه في الحفر.
ورغم أن الطريق يشهد بعض أعمال الترميم من وقت لآخر، إلا أن هذه الإجراءات لم تكن جذرية، بل كانت أشبه بالترقيعات التي سرعان ما تختفي مع أول هطول للأمطار.
وفي حديثه عن الوضع العام للطرق في بغداد، يشير جاسم إلى أن المشكلة لا تقتصر على طريق قناة الجيش فقط، بل تشمل العديد من الطرق الحيوية الأخرى التي تربط أجزاء العاصمة ببعضها.
إنجازات وإهمال
السائق ماهر هوسان (٣٢ عاماً) الذي يعمل في مجال نقل الركاب، يتحدث عن التأثير الكبير للزحام المروري الناتج عن تهالك الطرق في عمله اليومي.
ويقول: "كل يوم نضيع ساعات في الازدحام، ونتعرض لخسائر مالية بسبب التأخير"، متسائلاً :"كيف تستطيع الحكومة إنشاء مشاريع ضخمة مثل المجسرات، بينما لا تجد حلاً حقيقياً لمشكلة الطرق؟".
هوسان يضيف أن الكثير من السائقين أصبحوا يتجنبون بعض الطرق بسبب تدهورها، ما يزيد من أعباء العمل اليومية.
ضرائب الطرق
من جانبه، يطرح المواطن محمد يوسف، تساؤلات تتعلق بمصير الأموال التي يتم تحصيلها من أصحاب المركبات سنوياً تحت عنوان "ضرائب صيانة الطرق".
ويوضح "أدفع سنوياً ضرائب مركبة تصل إلى مبالغ كبيرة، لكن لا أرى أي تحسن على الطرق.. أين تذهب هذه الأموال، ولماذا لا تخصص لصيانة الطرق؟".
تجدر الإشارة إلى أن السماح بسير المركبات ذات الحمولات العالية، يمثل أحد أسباب تضرر الطرق. فغالباً ما نرى مرور هذه الشاحنات في مراكز المدن، حيث تنتشر المصانع الكبرى والساحات التجارية ومخازن البضائع.
الرقابة والتشريع
غياب الصيانة الدورية للطرق لا يتوقف عند مستوى التنفيذ فحسب، بل يمتد إلى قضايا تنظيمية وتشريعية. ففي حديثه لـ "الصباح"، يقول عضو لجنة الخدمات في مجلس النواب د. محما خليل "إن لجنة الخدمات النيابية، والتي يفترض أن تكون الجهة الرقابية على مشاريع البنية التحتية، لم تقم بدورها كما ينبغي".
ويضيف "على الرغم من أن لجنة الخدمات هي المسؤولة عن مراقبة المشاريع الخدمية في العراق، إلا أننا لاحظنا ضعفاً كبيراً في الأداء الرقابي خلال الدورة البرلمانية الحالية"، مشيراً إلى أن "اللجنة لم تتمكن أيضاً من تشريع قوانين تتعلق بصيانة الطرق، ولم تراقب الأموال المصروفة على المشاريع التي تضررت بسبب غياب الصيانة الدورية."
ويضيف: "نحن نرى أن الوضع أصبح كارثياً، ولا أحد يسعى لإيجاد حلول حقيقية. حتى الجلسات التي تعقدها اللجنة لا تسفر عن أي نتائج ملموسة"، مؤكداً أنه "كان من المفترض أن يتم تبني قوانين جديدة لتحديث البنية التحتية للطرق، لكن اللجنة أصبحت غائبة عن المشهد تماماً".
في ما يتعلق بأهمية المجسرات والطرق الحديثة، وضرورة توفير خطة صيانة دورية لضمان استدامة هذه المنشآت، أكد النائب علاء سكر الدلفي، عضو لجنة الخدمات النيابية، أن "اللجنة تعمل على تنسيق مستمر مع وزارة الإعمار والإسكان والجهات المعنية الأخرى لمتابعة هذه المشاريع". وأضاف في حديثه لـ "الصباح" أن اللجنة تسعى للإطلاع على تفاصيل هذه المشاريع وتقييم جدواها، من خلال إجراء المناقشات اللازمة ودعوة المعنيين للاستماع إلى آرائهم، بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين".
بحاجة إلى مزيد من الوقت
وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، أكدت سعيها لتنفيذ مشاريع تطوير وصيانة الطرق، لا سيما طريق قناة الجيش، الذي يُعد من أهم المحاور في بغداد.
المهندس نبيل الصفار، المتحدث باسم الوزارة، يقول لـ "الصباح": إن "الوزارة بدأت العمل على أربعة مشاريع تطويرية في هذا الطريق، وتم افتتاح ثلاثة منها حتى الآن، بما في ذلك تقاطع الرستمية ومجسرات جميلة والداخل، إضافة إلى ربط طريق محمد القاسم بطريق قناة الجيش."
وبالرغم من هذه الجهود، يقول الصفار: إن تأهيل الطريق بالكامل يحتاج إلى المزيد من الوقت، وهو ما سيحدث بشكل تدريجي وفق خطة زمنية تمتد إلى العام المقبل. ويتابع بالقول: "نحن نعمل على هذه المشاريع بالتوازي مع خطط أخرى لتحسين الطرق والجسور في العاصمة، ولكن بالطبع فإن العمل في هذه المشاريع يتطلب وقتاً".
محطات الوزن
كما تتضمن خطة الوزارة – والحديث للصفار- إنشاء العديد من محطات الوزن في مختلف المحافظات والتي تحدد الأوزان المحورية للمركبات، من أجل الحفاظ على الطرق. وذكر في هذا الصدد أن 16 من هذه المحطات دخلت الخدمة الفعلية والتجريبية، في محافظات بغداد وكركوك وديالى وكربلاء المقدسة والمثنى وذي قار والبصرة، ومن المؤمل أن تدخل ست محطات أخرى إلى الخدمة قبل نهاية العام، في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وميسان، ليكون المجموع الكلي للمحطات المنجزة 22 من مجموع 83 محطة وزن تعمل الوزارة على إنشائها وإعادة تأهيلها بأسلوب الاستثمار وبالتعاون مع الحكومات المحلية في جميع المحافظات.
أمانة بغداد
تؤكد أمانة بغداد، العمل على تطوير خطة شاملة لتحسين الطرق داخل العاصمة. محمد الربيعي، المتحدث باسم الأمانة، أكد أن هناك خطة تتضمن تنظيف وتطوير الطرق وإجراء صيانة دورية، إضافة إلى ترميم الحفر وترقيع المطبات بشكل مستمر.
وأشار الربيعي إلى أن "أمانة بغداد تعمل أيضاً على تنفيذ مشاريع استراتيجية لتوسيع وتحسين الطرق الرئيسة، بما في ذلك طريق محمد القاسم، الذي سيشهد توسعة في المدى القريب".
مع تزايد الشكاوى، يبرز تساؤل أساسي: هل يمكن إصلاح هذه الطرق بشكل فعال؟ الخبراء في هذا المجال يشيرون إلى أن الحلول تتطلب أولاً تحديد أولويات واضحة، مع التزام مستمر من الحكومة والوزارات المعنية. ويجب أن يكون هناك تنسيق بين وزارة الإعمار، وأمانة بغداد، والجهات الرقابية في البرلمان لضمان تنفيذ المشاريع بشكل دوري ومستدام.
ويؤكد الخبراء أن المشاريع الصغيرة التي تُنفذ بين الحين والآخر يجب أن تُستكمل بمشاريع استراتيجية طويلة الأمد تضمن تحسين الطرق بشكل شامل، مع توفير ميزانية خاصة للصيانة الدورية تتضمن رقابة مستمرة على أعمال الصيانة.