غيداء البياتي
مما لا شك فيه أن الجمال مطلوب في جميع صور الحياة؛ سواء في شكلنا ومظهرنا الخارجي أو دواخلنا، ومما لا شك فيه ايضا اشتراط وجود الجمال في بيئتنا المحيطة بنا، وأقصد هنا في رؤية المباني المتمثلة في المنازل والمنشآت والحدائق والشوارع والساحات
بصراحة زاغ بصري حين استيقظت باكرا ووقفت خلف نافذة كبيرة لأحد الفنادق هناك، أرى المباني الانيقة والشوارع النظيفة، ملتفتة يمينا ويسارا أمتع بصري بأناقة تصميم الأشجار وكمية المساحات الخضراء الممتدة على طول الشارع، لفت انتباهي انضباط حركة السير دون وجود رجل المرور، حيث التزام المواطنين بالإشارة الضوئية “التريفك لايت” في تقاطعات الطرق، فضلا عن البناء المتشابه للمنازل وحدائقها في المنطقة الواحدة، كل ذلك ليس في بلد أوروبي أو آسيوي أو غيره من البلدان المتقدمة، فهي كردستان العراق، نعم إنها أربيل مدينة تستحق الإعجاب وتسر الناظرين، وفي حضرة وداعي لها، متوجهة الى بغداد تشابكت المراثي والكلمات، حتى صعب عليَّ التمييز بين آهة وآهة، فبغداد أقرب إلى قلبي، لكن حين العودة لها لم أمتلك ازاءها غير بكاء لا ينفع وحسرة لا تجدي، وعزائي الذي لا أعظم منه ولا أجمل أن الاماكن التي رأتها عيني بقبت ماثلة أمامي.
الآن في ثنايا الروح حزنا وأمنيات على ما شاهدته في أغلب الأحياء السكنية، وكأنها عشوائيات متبعثرة هنا وهناك، فهي خالية من المساحة الخضراء، ومن أي صفة جمالية، والسبب ظاهرة التمدن العشوائي والتصاميم المشوهة، التي حولت أغلب المنازل الكبيرة الى بنايات تجارية، حيث المحال أرضا والشقق السكنية سماء، وصار المواطن يتحسر على الروحية البغدادية و” عصرونية أيام زمان “ وتجمع العائلة في حديقة المنزل، فضلا عن وجود بعض البنايات في شوارع العاصمة الرئيسة، محاطة بجدران، شوهت بكتابات غير لائقة تحيطها النفايات، هذا هو الذي يطلق عليه “التشوه البصري”، الذي يؤذي نظر الانسان، ويسبب له الإزعاج، حيث يشعره بأنه فاقد للحس الجمالي لأنه لا يراه في بيئته.
ولأن الانسان يميل الى الجمال بطبيعته الفطرية، فهو سمح لحاله أن يطالب الجهات الحكومية وأمانة بغداد وحتى وزارة التخطيط بأن يجدوا حلا لمسألة التشوه البصري الموجود في اغلب مناطق بغداد، لا سيما الرصافة، واعطاء أوامر لبلديات المناطق بعدم الموافقة على بناء وحدات سكنية بمساحة اقل من 100 متر وبمواصفات تحافظ على هوية المكان.