رعب عمليات الولادة في غزة

اسرة ومجتمع 2024/02/18
...

  أسيل موسى (من غزة)

  ترجمة: مي اسماعيل

تواجه نساء غزة صعوبة عملية الولادة منزليا، دون مساعدة طبية ولا مزيل للألم؛ ولا يساعدهن إلا بعض الأقارب أو الجارات. حينما دخلت {حنان} مرحلة المخاض أواخر العام الماضي، وقعت بين نارين: أما مواجهة الألم والخوف من الولادة دون مساعدة طبية، أو رعب الغارات الاسرائيلية ونيران القناصة، اذا حاولت الوصول الى المستشفى.

ولأن المستشفيات باتت تخلو من الإمدادات؛ بعد مداهمات الجيش الإسرائيلي، وامتلائها بضحايا الحرب بما يفوق طاقتها؛ قررت حنان أن تستقبل طفلها الأصغر في المنزل. حضرت لمساعدتها ممرضة التجأت الى مبناهم السكني؛ ولكن لم يكن بوسعها أن تقدّم أكثر من النصائح الطبية الأساسية. واستمع أطفال حنان الآخرون في رعب إلى حقيقة الولادة دون دعم طبي أو مُسكنات. قالت حنان بعد أيام قليلة من الوضع: “كان الألم مبرحاً، وكنت مستميتة للذهاب الى المستشفى. لكن الحالة في الخارج جعلت ذلك مستحيلا؛ فالذهاب إلى المستشفى يعني المخاطرة بحياتنا”. 


ألم دون صراخ..

يكاد قطاع غزة يخلو تماما من الطاقة الكهربائية؛ إذ قُطعت الإمدادات ودُمرّت محطات توليد الطاقة، كما استُنفِد وقود تشغيل المولدات تقريبا، بعد ثلاثة أشهر من الهجوم الاسرائيلي وحصار خانق. تضافرت معا النساء اللاتي يعشنَ في المبنى، حيث تسكن حنان كي تتمكن الممرضة “هيّا” من ملاحظتها طيلة الليل، واستخدمن بطاريات هواتفهن لإنارة الغرفة. تمضي حنان قائلة: “رغم تحديات التمكُّن من شحن بطاريات الهواتف؛ لكنهن أنرن الغرفة بإضاءة الهاتف لمساعدة الممرضة هيّا خلال عملية الولادة”. كذلك ساندت النساء حنان طيلة المخاض؛ إذ شجعنها وحاولن تنظيم إيقاع تنفُسها كي تتحمّل الألم. سبق للممرضة “هيّا” العمل في ردهات الولادة بالمستشفى لمعاونة الأطباء، لكنها لم تتول الاشراف بمفردها على عملية ولادة مطلقا؛ وفجأة كان على عاتقها مهمة ضمان سلامة حنان ووليدها.

قالت حنان: “وجدت نفسي أصرخ من الألم أمام أطفالي، الذين كانوا مرعوبين بالفعل مني ومن الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة”. وحاولت حنان جاهدة تحمل الألم دون الصراخ بعدما بدأت ابنتها (سيرين، سبع سنوات) بالبكاء؛ وهو العزاء الوحيد الذي يمكنها تقديمه للصغيرة.

عقبات متراكمة

قالت الأمم المتحدة انها.. “تشعر بقلق بالغ” بشأن النساء الحوامل اللاتي لا يستطعن الحصول على الرعاية الصحية في غزة. وأشارت التقديرات خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الى وجود نحو خمسين ألف امرأة حامل في غزة، مع توقُّع أن تلد أكثر من مئة امرأة يوميا، وسط نقص في الضروريات الأساسية؛ بما فيها الغذاء والماء، وقلة فرص الحصول على الرعاية الصحية. تناقص عدد المستشفيات العاملة في غزة من 36 الى 8، ويقول الأطباء في أرجاء القطاع إنهم يشعرون بالإرهاق بسبب كثرة عدد ضحايا الغارات الجوية والقتال؛ وهذا أجبر مئات النساء (مثل حنان) على اللجوء للولادة منزليا وبفردهن. تجتمع العقبات ضد الأطفال المولدين قبل الأوان أو الذين يعانون من مشاكل طبية في غزة اليوم؛ فهناك عشرات الأطفال حديثو الولادة في الحاضنات؛ وتقول الأمم المتحدة إنهم من بين المرضى الأكثر عرضة للخطر في القطاع.

افادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن وفاة أربعة أطفال في وحدة العناية المركزة بمستشفى النصر، بعد إجبار الموظفين على الإخلاء أثناء الهجوم الاسرائيلي، ولم يتمكنوا من اصطحاب الأطفال معهم. وتوفي خمسة آخرون في مستشفى الشفاء، قبل أن يتم إجلاء المرضى حديثي الولادة الناجين إلى مصر. 


تحدي القصف الاسرائيلي

تعيش حنان وأسرتها في حي النصر غرب غزة، الذي أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين بإخلائه في بداية الحرب. اتجهت الاسرة جنوبا إلى خان يونس؛ لكن الظروف في المدينة كانت قاتمة للغاية بحيث قرروا العودة إلى النصر. وعن ذلك تقول حنان: “حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بحياتي، فضّلتُ مواجهة الموت بكرامة.. لم يعد بوسعي احتمال فكرة البقاء في مأوى للنازحين حيث لا يملك أطفالي حشية للنوم عليها، وهناك نقص للمستلزمات الاساسية كالماء والغذاء”. 

لذا عادت حنان وزوجها وولديها وابنتها الى منطقتهم ليستعدوا لاستقبال الطفل الجديد. قدّم الجيران ما بوسعهم للمساعدة: أضواء هواتفهم وصلواتهم ودعائهم، وما يمكن من ملابس وأقمشة للطفل والأم. 

قالت هيا: “حينما ملأت صرخة الطفل الأولى الغرفة؛ شعر الجميع بخليطٍ من المشاعر.. الارتياح والخوف والفرح والقلق. قطعتُ الحبل السري بمقص من مطبخ حنان، ولم يكن لديّ مواد تعقيم. وكانت فكرة مغادرة المنزل للبحث عن تعقيم أو شراء مقص طبي مستحيلة.. جميع من في المبنى يعتبرونه “طفلهم المعجزة”، ووالداه  سعيدان لأنه على قيد الحياة ويبدو بصحة جيدة؛ رغم عدم استطاعة إجراء اختبارات حديثي الولادة المعتادة..”. تقول حنان: “لقد سميت ابني “ورد”؛ وآمل أن يكون له مستقبل جميل مثل الورود. لقد أظهر قوة ملحوظة حتى وهو طفل حديث الولادة؛  متحديا القصف الإسرائيلي ونقص الغذاء والدعم الطبي الأساسي ليأتي إلى هذا العالم».


صحيفة الغارديان البريطانية