من أين جاء السومريّون إلى جنوب العراق؟

ثقافة 2024/02/25
...

 الناصرية : نجلاء الخالدي
المشكلة السومرية جدلية التاريخ واللغة، هو أحدث الكتب التي صدرت مؤخرا في العراق، والتي حاولت من جديد سبر أغوار هذه الحضارة، التي ولدت قبل سبعة آلاف عام قبل الميلاد، ولا تزال تشغل الكتاب وتحيّر علماء الآثار. هل وجد الكاتب شاكر الغزي أسراراً جديدة لم تكشف بعد عن تاريخ ولغة السومريين، وفهم هذه الجدلية التي أرقت المختصين على مدى عقودٍ من الزمن، في محاولة لفهم هذه الجدلية  التاريخية التي على ما يبدو أنها لا تزال تثير فضول المهتمين والدارسين لأصول الحضارات القديمة.
صدر كتاب «المشكلة السومرية جدلية التأريخ واللغة» عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، ويقع الكتاب في 460 صفحة من القطع المتوسط، وهو في ثلاثة أقسام، القسم الأول: المشكلة السومرية، والقسم الثاني: حل المشكلة السومرية، والقسم الثالث: ملاحق.
الكتاب في مجمله سردٌ أدبيٌّ موجزٌ حول ما أسماه الباحثون بـ (المشكلة السومرية)، يعرض هذه المشكلة بشكلّ مبسّط للقارئ العادي في قالب سرديّ، يستند إلى وقائع تاريخية ومقاربات لغوية، من أجل تلخيص فحوى المشكلة، والتي هي في جوهرها مشكلة لغوية مُفترضة! والتعريف بالسومريين المنسوبة إليهم، والذين تذكر الألواح الطينية واللُّقى، التي عثرت عليها التنقيبات أنهم أحد أقوام وشعوب العراق القديم.
ولعلّ وجود السومريين ــ على فرض أنهم شعب غير سامي ــ في منطقة تاريخية محاطة بأقوام جزرية وشعوب سامية ــ نسبة إلى سام بن نوح ــ هو ما دفع الباحثين إلى التساؤل عن أصول هؤلاء القوم؛ فبرزت (مشكلة الأصل السومري)، والتي هي أساس ما يعرف بالمشكلة السومرية.
وقد وضعت لها حلول تعدّدت بتعدّد الجهات، التي يُحتمل أنَّ السومريين وفدوا منها إلى جنوب العراق، وبتعدّد اللغات الحديثة التي تتّصف كلماتها بخاصية الإلصاق التي تتميز بها اللغة السومرية.
وهذا ما دفع الغزي لمعرفة (من هم السومريون؟) على وجه الحقيقة.

الطوفان العظيم
الكتاب يتضمّن أيضاً، كلاماً مطوّلاً حول حادثة الطوفان العظيم، التي ترد في قصص وملاحم سومرية وبابلية عدّة، وبيان ما إذا كانت أسطورة مختلقة أو حدثاً واقعياً من جهة، وما إذا كان الطوفان حدثاً عالمياً أم مجرّد فيضان في النهر المحلّي من جهة ثانية، كذلك، مناقشة مسهبة ومغنية حول جنة عدن السومرية أو ديلمون، فطالما استذكر السومريّون بلاد ديلمون ــ حيث تشرق الشمس ــ بوصفها الفردوس المفقود في عصرهم الذهبيّ القديم.
وفي القسم الثاني من الكتاب تمَّ بسط الكلام حول النظرية التي طرحها الدكتور عبدالمنعم المحجوب، بوصفها (حلّاً للمشكلة السومرية)! من خلال إعادة (نقحرة) مقاطع اللغة السومرية جذرياً، ومقارنتها مع جذور اللغة العربية المُعادة قراءتها مقطعيّاً، والنظر إلى هذه المقاطع على أنها المكامن و(الجذور السومرية للغة العربية)، ثمّ انتهاءً بالقول إنّ (العرب هم أحفاد
السومريين)!.
أمَّا القسم الثالث، فضمَّ ملحقين، الأول حول شجرة الآلهة السومرية، الأساسية والثانوية، وتمت فيه مناقشة العلامات المسمارية الدالة على الألوهية، وتفسيرها بتفسير جديد يفضي بنا إلى عدم القول بتعددية الآلهة في العراق القديم، مع تفسير منطقي مقبول لكلّ إله مذكور من خلال اسمه وصفاته.
والملحق الثاني يتعلق بوحدتي قياس سومريتين مهمتين جداً، هما السَّار والبيرو، ومن خلال طرح آراء ومناقشة، انتهينا إلى تفسير ملائم لهاتين الوحدتين ساهم في إعادة فهم الكثير من النصوص، منها إثبات الملوك السومرية وملحمة گلگامش ونصّ الخلود في
ديلمون.  

وجود السومريين
يذهب الدكتور نائل حنّون إلى أنَّ السومريّون لا وجود لهم، وما اللغة السومرية سوى شيفرة سرَّانية من اختراع الكهنة الأكاديين؛ إذ لا يُوجد دليل على افتراض وجود شعب سومري سوى اللغة التي أُطلق عليها اللغة السومرية، أما الكتابة المسمارية، فالدراسات الحالية لا تميل إلى قبول الرأي القائل بأنها من اختراع السومريين، وتبعاً لذلك فلا وجود لشعب سومري يختلف قومياً عن الأكاديين؛ فالسومريون هم
الأكاديون.
ولكنّي أَميل إلى العكس تماماً، فليس الأكاديون سوى سلالة واحدة ضمن سلسلة من السلالات السومرية الحاكمة التي ذكرتها أثبات الملوك السومريين. لم يُسمِّ السومريون أنفسهم بالسومريين، ولا بلادهم بسومر، فلا وجود لهاتين اللفظتين في اللغة السومرية.
أما في الكتابة المسمارية فقد وردت كلمة سومر في اللغة الأكادية في إشارة إلى ما عدا أكاد من البلاد، وتلفظ شُمِر (Šumer)، أو شُومِرُو (Šumeru) والمتعارف بين علماء المسماريات أنّ حرف (š) يلفظ شين.
وقد جاء على الغلاف الخلفي للكتاب عبارة: لا بدّ من طرح السؤال الجوهريّ لهذه المشكلة، وهو: من أين جاء السومريّون إلى جنوب العراق؟ وهو سؤال تعدّدت إجاباته بتعدّد الجهات الثمان! وهذا التشتُّت في الإجابات، هو الذي أوحى إلى الباحثين بعَدِّه سؤالاً مُشكلاً لا إجابةَ له! حدّ أن قال هنري فرانكفورت «إنّ المناقشة المسهبة لهذه المشكلة يمكن أن تتحوّل في النهاية إلى ملاحقة وهم لا وجود له مطلقاً»!.
أما جورج رو، فقال: «ظلَّت هذه المشكلة دون حلّ، رغم الحبر الكثير الذي أُريقَ في سبيل ذلك».
وشاكر الغزّي، الحاصل على بكالوريوس هندسة مدنية عام 2002، هو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وأحد مؤسّسي منتدى البطحاء الأدبي ورئيس دورته الأولى، وأحد نجوم برنامج «أمير الشعراء» في موسمه السادس 2015.
ومن إصداراته الشعرية: “نبوءات هدهد بلقيس، مسلّة الأرجوان، الآتون من الحديقة الحمراء، أتلاشى كظلّ أبي”، وكذلك مسرحية شعرية هي “بيادق زرق”، وقصصية أخرى بعنوان “غيتارات شكسبير”.