التشجير.. أفضل الحلول لمواجهة التدهور البيئي

ريبورتاج 2024/03/04
...

 بدور العامري


يمكن لشجرة واحدة أن تنتج من الأوكسجين ما يحتاجه أربعة اشخاص، وتعمل على سحب كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكاربون من الجو وتخزينه داخلها، كما تقوم الأشجار بمهمة تنقية الجو وتلطيفه، لذلك يعتبر التشجير أحد الوسائل الفعالة في الحد من تأثيرات التغير المناخي في العالم، حيث أثبت علميا أن تشجير المدن يمكن أن يساهم بخفض الحرارة (2 - 8) درجات مئوية، وهو الأمر الذي يطمح اليه سكان المدن في العراق، بعد أن عانوا من تسجيل درجات حرارة تجاوزت الخمسين، خلال فصل الصيف في السنوات الأخيرة الماضية.

مخاطر
أصبح تأثير التغييرات المناخية واقع حال اوجد ظروف وملامح لم تكن موجودة قبل بضع سنوات، وما زال هذا التأثير مستمرا بوتيرة اكبر، إذ من الممكن ان تختفي دول وتظهر أخرى، ما لم يتم التعامل مع الموضوع بجدية لمواجه التأثيرات السلبية للتطرف المناخي وتبعات الاحتباس الحراري بالطرق الفعالة والصحيحة، وتحذر آخر الدراسات والتقارير في مجال البيئة والمناخ من تأثر العراق بصورة كبيرة نتيجة هذا التغيير، حيث صنفته  "واحد من بين إحدى عشرة دولة في العالم، ستواجه أسوأ معاناة من عواقب تغير المناخ منذ الان ولغاية 2030"، موضحة "أنه سيكون  عرضة لعدة مشكلات مثل الجفاف والتصحر وانخفاض مناسيب المياه في الأنهر والمستنقعات، فيما أكدت تلك الدراسات حاجة العراق الى 14 مليار شجرة كي يستعيد هواءه النظيف وتحسين البيئة، مبينة أن "القطع الجائر للأشجار والقضاء على البساتين، التي كانت تحيط بالعاصمة بغداد وبعض المدن وتحويلها من أراضٍ خضراء الى مبانٍ وشوارع جرداء، الامر الذي زاد الأوضاع سوءًا هو اتساع ظاهرة التصحر وزحف الكثبان الرملية من الصحراء الى المدن، والتسبب بعشرات العواصف الرملية عليها في أوقات مختلفة من العام، ونتيجة لذلك كان لا بد من تدارك الأمور، والعمل  على اتخاذ الخطوات الحقيقية لمواجهة هذا الخطر البيئي.

مبادراتٌ وحملات
وزارة الزراعة بدورها اطلقت مؤخرا مبادرة التشجير الحضري وزراعة خمسة ملايين شجرة في البلاد، حيث أكد الوكيل الفني لوزارة الزراعة الدكتور ميثاق عبد الحسين،  أهمية التعامل بصورة جدية مع المتغيرات المناخية، التي طرأت على العالم والمنطقة بصورة، خاصة وتأثيراتها البيئة على العراق، وتتمثل أولى الخطوات الضرورية لمواجهة هذه التأثيرات، هي مسألة التشجير وزيادة المساحات الخضراء في المدن، مشيرا إلى أنه تمَّ عقد عدة لقاءات واجتماعات مع الدوائر والمؤسسات ذات العلاقة، بمشاركة مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون البيئة والمناخ، وحضور عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني ووزارة البيئة ومختصين بالشأن الزراعي، حيث اتفق الحاضرون على استراتيجية واسعة لتنفيذ هذه المبادرة، والتي تضمنت تشجير المدارس والساحات العامة وساحات الدوائر الرسمية والجامعات والجزرات الوسطية، فضلا عن الحدائق والمتنزهات العامة، وتابع عبد الحسين أن "الوزارة تسعى إلى إنشاء غابات حضرية بالقرب من السدود، بسبب وفرة المياه والاستفادة منها، كما تعمل على التنسيق مع وزارة التربية حول مشروع  توفير أماكن يمكن تشجيرها والاستفادة منها، لإقامه مخيمات كشفية للطلاب مستقبلا.
وعلى صعيد متصل ظهرت مبادرات مجتمعية وأخرى قطاعية بالتعاون مع مؤسسات خاصة ومهتمة بالشأن البيئي والزراعي في البلاد، ما شجع أصحاب المشاتل على توفير أنواع خاصة من الأشجار المعمرة وذات نوعيات مطلوبة لتنقية الأجواء وتعطيرها مع إضافة جمالية خاصة بالشارع او الجزرة الوسطية كما يقول  المهندس علي سالم، صاحب مشتل (محبي الزراعة) في جانب الكرخ من بغداد، مبينا انه يعتمد أسعار الجملة في بيع تلك الأشجار لغرض التشجيع على الزراعة وتسهيل الحصول على الشتلات بمختلف أنواعها واصنافها، علما انه يقوم باستيراد أنواع كثيرة من خارج البلد مثل الهند وتايلند وامريكا وبعض الدول الاوربية.

أسسٌ علميَّة
وبحسب الاكاديمية في كلية الزراعة جامعة بغداد الدكتورة افاق إبراهيم جمعة وصاحبة مشروع (زراعة مليون شجرة) أنه على الرغم من اطلاق عشرات المبادرات لناشطين ومتطوعين في مجال البيئة والزراعة، إلا أن اغلب تلك الجهود للأسف تذهب سدى، ويكون مصيرها الفشل، بسبب عدة عوامل أولها افتقاد تلك
المبادرات للأسس العلمية في العمل، حيث تكون النتيجة تلف أو عدم جدوى الأشجار، كونها لم تخضع لأسس علمية في جميع مراحل زراعتها، ابتداء من اختيار نوع الشجرة والظروف المناسبة لها، مرورا بطريقة الزراعة وتثبيت الشتلة داخل التربة، وليس انتهاء بعملية الرعاية من سقي وكمية المياه المطلوبة في كل مرحلة، إضافة الى توفير المواد الضرورية للتربة من تسميد ومبيدات حشرية وغيرها، وشارك الرأي مع الدكتورة افاق المهندس الزراعي محمد حسن قائلا: "لا بد من تثقيف واسع للمواطنين حول أهمية التشجير والتعريف بأنواع الأشجار الواجب زراعتها داخل حدائق المنازل وبجانب البيوت، مثل أشجار الفواكه والنخيل، فيما يفضل زراعة الساحات العامة والشوارع بالأشجار الظلية ذات المناظر الجميلة، مثل شجرة الأكاسيا والصفاف والاليبيزا وغيرها، في الوقت الذي نصح به المهندس محمد على الابتعاد عن زراعة أنواع أخرى من الأشجار قائلا: "هناك أشجار لا تصلح ان تزرع في المدن والبيوت مثل شجرة (الكاربس)، باعتبارها تسبب أضرارا للبنى التحتية للمباني، لأنها تمد جذورها بصورة افقية في التربة، مكونة شبكة سريعة التمدد، وهي بهذه الخاصية تكون ذات جدوى للزراعة في المناطق الصحراوية لغرض تثبيت التربة.